Advertise here

السفارات سبقت الاستشارات!

24 تشرين الثاني 2019 19:20:00 - آخر تحديث: 21 تموز 2020 12:26:10

 

يبدو أن السفارات سبقت الاستشارات.
وقع العهد وحلفاؤه في دائرة الحلقة المغلقة بعد أن اوصدوا الأبواب والنوافذ، وعزلوا أنفسهم وصمّوا آذانهم عن أصوات المواطنين الثائرين في الساحات والشوارع، حتى أن قرقعة الطناجر والطرطقة على ابوابهم لم تكن كافية لإيقاظهم من سبات أحلامهم البرتقالية التي يرسمها مبدعهم العظيم بباسليته المتحكمة المتفردة بدقائق ومفاصل العهد ومؤسساته حتى باتت العونية وهو اللقب الذى يطلق على مناصري رئيس الجمهورية ميشال عون تضمحل في صفوف التيار الوطنىي الحر لتحل محلها "الباسيلية".

والباسيلية نهج اقتناص الفرصة وتغليب المصلحة الفردية على المصلحة العامة وتبرير الوسيلة من أجل تحقيق الغاية، فلا ضير وفق مفاهيمها أن يحرق البلد بمن فيه لأجل الوصول للحكم، وليس من الخيانة إذا ما كانت الظروف الإقليمية مؤاتية لمصلحة العدو الصهيوني أن تعتبر أن الصراع مع إسرائيل ليس صراعاً استراتيجياً وعقائدياً ومن حقها أن تعيش بسلام، وإذا تحول المناخ الإقليمي تصبح من الممانعة ومن طليعة المدافعين عن حزب الله وسلاحه ومن أشرس المواجهين والمدافعين عن النظام السوري أمام الجامعة العربية ولو شكل ذلك خروجاً عن الإجماع اللبناني وحياده. 

فكل ذلك يهون لمراضاة الراعي الإقليمي المتحكم بخيوط اللعبة السياسية والتي قد تساعد في وصول الباسلية إلى سدة رئاسة الجمهورية اللبنانية ولو كان ذلك على حساب لبنان وسلخه عن محيطه العربي! 

نعم إن الباسيلية ونهجها وسياستها من أوصل البلد إلى ما وصل إليه من التردي على كافة المستويات، بدءً من الفراغ الرئاسي إلى قانون انتخابي هجين فُصِلَ لتعميق الانقسام الطائفي والوطني وصولاً إلى تعطيل عملية تشكيل الحكومة ومن ثم تشكلها بعملية تسوية سلبت رئيسها القدرة على إجراء التوازن بين مكوناتها فغلبت الباسيلية وحلفائها التي تشكل الأغلبية فيها على كافة القرارات التي اتخذتها، فسادت سياسة التفرد والتحكم حتى وصلت إلى حد المغالاة وكل هذا مبرر تحت عنوان العهد القوي واسترداد حقوق المسيحيين. 

والحقيقة كانت توظيف المستزلمين والسيطرة على مؤسسات الدولة ومرافقها العامة التي اطبقوا عليها ليعيثوا الفساد فيها. 

 نعم، هي الباسيلية التي أوصلت البلد إلى ما وصل إليه، فكانت الثورة الشعبية التي انطلقت من أزقة الفقراء وامعائهم الخاوية، من طلبة الجامعات ومستقبلهم الضائع المجهول في ظل الكمية الهائلة من المتخرجين العاطلين عن العمل، من أصحاب الكفاءة في جميع الاختصاصات والمبعدين بسبب عدم ولائهم للعهد وحلفائه، من المرضى الذين لا يتوفر لهم العلاج والدواء لأن هناك فاسد يتاجر بدوائهم، من دافعي الضرائب على املاكهم التي لا تشكل ثمن يخت لأحدهم، من الذين يدفعون فاتورتين للكهرباء والمياه لصاحب المولد ومن يدعمه، من طلاب المدارس الرسمية التي افقرت واهملت لحساب المدارس الخاصة والرأسماليين الذين وراءها، من الذين كفروا بالطائفية والمناطقية والاستزلام للسياسين، من الذين فقدوا الثقة بهذا العهد وبتياره الباسيلي، من الذين كشفوا كذبة التصدي والممانعة وسياسة التفرد والاستئثار بقرار الدولة بالسلم والحرب، من الذين أرادوا أن يكون لبنان وطناً نهائياً لجميع ابناؤه برلمانياً ديمقراطياً علمانياً بمفهوم الدين لله والوطن للجميع، من الذين يؤمنون بالمرأة ودورها الفاعل في كافة الميادين، من الذين قرفوا الفساد الممنهج والمشرّع والمدعوم من بعض السياسيين.

هؤلاء هم مواطنو الثورة، هم مواطنون لبنانيون عابرون الطوائف والمذاهب والمناطق والأحزاب، يحلمون بوطن تسوده العدالة الإجتماعية في ظل دولة مدنية يتساوى فيها الجميع، مؤسساتها لخدمتهم وسياسيها لتثقيفهم وحكامها لإدارة شؤونهم ورعايتهم وتطوير انسانهم في شتى المجالات.

أما آن الآوان لتنفيذ مطالبهم المحددة ببدء الاستشارات النيابية لتكليف رئيس وزارة وتشكيل وزارة من الاختصاصيين تكون مهمتها إنقاذ الإقتصاد ووضع قانون انتخابي موحد يساوي بين جميع اللبنانين خارج القيد الطائفي وصولاً إلى انتخابات نيابية تنتج مجلس نيابي له الصفة التمثيلية الصحيحة وبعدها تشكل الحكومة التي تسميها الأغلبية النيابية لتحكم بصفتها التمثيلية الواسعة 
هل هذه المطالب صعبة التطبيق على العهد وحلفائه المحليين الاقليميين والدوليين؟ 

هل يتطلب كل هذا التعطيل  في ظل الأوضاع الاقتصادية المهترئة؟

ام أنكم تنتظرون تدخل  السفارات في عملية الاستشارات لتأتي التسويات وتقوم المساومات وتعقد الصفقات وتفرض الحلول خارج الحدود وتتحقق مصالح الدولة الإقليمية على حساب البلد عندها يفرض التكليف ويأتي التأليف منسجماً مع المصالح العليا للمرشد الأعلى وللحاخام الأكبر والشيخ الأشطر، وبالتالي يصبح تطبيق الدستور  هو الناحية الشكلية فقط. 

فإذا كان هذا هو الواقع نكون قد دخلنا لعبة الدول وصراعاتها البعيدة كل البعد عن مصلحة هذا الشعب وهذا الوطن، وتكون السفارات قد سبقت الاستشارات وكلفت وألفت كل شيء إلا مصلحةهذا الوطن.

لكن هذه المرة مختلفة لأن ثورة الشعب سبقت السفارات والاستشارات ولن تهدأ قبل أن تحقق مطالبها التي يزكيها جميع أحرار هذا الوطن، فإياكم أن تأقلموها أو تدولوها أو تجهضوها لأنها القلب النابض لهذا الوطن والإستفاقة الأخيرة لهذا الشعب!