Advertise here

القدر قال كلمته... فكتب وليد جنبلاط صفحة من تاريخ الجبل

13 كانون الثاني 2019 07:00:00 - آخر تحديث: 13 كانون الثاني 2019 20:52:22

ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي تمتد فيها أيدي الخارج للعبث بأمن الداخل اللبناني، فكتُب التاريخ على مدّ العصور تحمل في بطونها العديد من الوقائع والمشاهد التي تؤكد استمرارية هذا التدخل لأهداف قد تكون في بعضها محقة وقد لا تكون، لأنها في غالبيتها ناجمة عن أطماع خارجية تسعى دائماً لتنهش في الجسد اللبناني الضعيف. وقد يكون الجبل اللبناني بصيغته الكيانية كأساس لقيام هذا الوطن بعد تحويله من إمارة إلى دولة بحدودها المعترف بها دولياً، هو المرتكز الذي تسعى بعض القوى الخارجية إلى لَيّ ذراعه لتتمكن من خلاله من بسط نفوذها على لبنان كله. وقد نجحت تلك القوى في خلق مجموعات لها في الداخل، وهي تعمل على تحريكها وفق ما تقتضيه سياستها القائمة على حب السيطرة والضم والفرز. مستفيدة من النزاع التاريخي ما بين الدروز والموارنة للعب على التناقضات التي تعتقد أن بواستطها يمكنها النفاذ إلى الداخل. لكن الجبل يبقى جبلاً صامداً في وجه العواصف والأعاصير مهما عصفت به. قدر هذا الجبل بزعيم مسؤول حكيم ومتنور، هو وليد جنبلاط سليل عائلة جذورها عالقة في تاريخه لبنان القديم والحديث،عرف بحنكته مكامن الخلل فعمل جاهداً على تمتينها وقطع الطريق على المتربصين بوطنه شراً، ونجح في ذلك إلى حد بعيد بعد المصالحة التاريخية التي أرساها مع نيافة الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير في الأول من آب 2001 وما زال إلى الآن يعمل بصمت وحكمة على تحصينه مع القوى المخلصة مخافة الوقوع مجدداً في الشرك الذي ينصبه له أعداؤه.

وليد جنبلاط الزعيم الذي ولج السياسة مكرهاً، معمَّداً بدماء والده المعلم الشهيد كمال جنبلاط ودماء الأبرياء الذين سقطوا معه في السادس عشر من آذار1977 تكشفت له قبل غيره حقيقة المؤامرة التي تستهدف لبنان، انطلاقاً من تمزيق نسيج هذا الكيان المميز الذي عمل والده المعلم الشهيد، وجدُّه لأمّه أمير البيان شكيب أرسلان في الحقب التي مرّا بها على ترسيخ دعائمه بين أفراد العائلة الواحدة. منذ اليوم الأول لتسلّمه مقاليد الزعامة في الجبل شكل وليد جنبلاط هدفاً لخصومه الذين راحوا يحيكون المؤامرات ضده لإضعاف زعامته، وتحويلها إلى زعامة هامشية لا شأن لها ولا حول سوى الطاعة والانصياع لتنفيذ ما يطلب منها ليس أكثر. فأول إسفين دق في جسد الحركة الوطنية التي تولى رئاستها خلفاً لوالده المعلم الشهيد كمال جنبلاط تمثل بقيام جبهة ما كان يعرف بالقوى القومية والعربية كمنافس لحركته الوطنية التي ظلت متماسكة إلى ما بعد الإجتياح الإسرائيلي للبنان صيف العام 1982، فأخذ النضال الذي واجه به المشروع الإسرائيلي بعد دخول حركة أمل بزعامة نبيه بري إلى جانب الحزب التقدمي الاشتراكي بزعامة وليد جنبلاط وبعض الأحزاب الوطنية بعداً آخر. فتمكن الحليفان بري وجنبلاط من الانتصار وإخراج لبنان من النفق الإسرائيلي والعودة به إلى حضن العروبة النابض بعد إسقاط اتفاق 17 أيار وإعادة فتح طريق بيروت دمشق وطريق بيروت الجنوب أمام المقاومة الوطنية والإسلامية التي تمكنت فيما بعد في 25 أيار من العام 2000 من تحرير الجنوب اللبناني والبقاع الغربي من العدو الإسرائيلي، وإنهاء ما كان يسمى بدويلة أنطوان لحد. منذ ذلك التاريخ اتخذت المؤامرت ضد الحزب التقدمي الاشتراكي وحركة أمل بعداً آخر. فمن محاولات الإيقاع بين الحليفين في بيروت وتمترس كل فريق بمواجهة الأخطار التي تحدق به في الجنوب والجبل، في ذلك الوقت نجح الحزب التقدمي الاشتراكي بإسقاط ما كان يسمى بت"الدولية المسيحية" من خلال ربط سوق الغرب بجزين الذي سرّع في انعقاد مؤتمر الطائف وإنهاء الحرب اللبنانية التي استمرت 15 سنة.

 في زمن الطائف تغيرت أوجه اللعبة وانتقلت من محاولات السيطرة على العاصمة بيروت والجبل، إلى السيطرة على لبنان بغطاء عربي - دولي بقيت خطوطه مستورة ولم تتكشف إلا بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في الرابع عشر من شباط 2005. عندها انقسم البلد إلى معسكرين 8 و14 آذار. وجود النائب جنبلاط على رأس المعسكر السيادي الذي نادى بالعدالة وبالسيادة والحرية والإستقلال جعله من جديد هدفاً استراتيجياً يقتضي إزاحته عن المسرح السياسي أو تدجينه بما يسمح بإعادة الهيمنة على الجبل من خلال النافذة الدرزية هذه المرة. لكن الجبل الذي جدد له البيعة قبل أشهر قليلة بكافة تنوعه الطائفي والمذهبي، ما زال يرى بزعامة وليد جبلاط ضمانة لوجوده في هذه الأرض حاضراً ومستقبلاً، وبالتالي فإن كل المؤمرات التي حيكت وتحاك ضده مصيرها إلى زوال.

بالأمس إستقبل وليد جنبلاط ونجله رئيس اللقاء الديمقراطي النائب تيمور جنبلاط في دارتهما في كليمنصو الموفد الأميركي وكيل وزير الخارجية الأميركي ديفيد هيل. فهذا الزعيم بما يشكل من ضمانة على المستوى الدرزي والوطني، هو أيضاً رجل ثقة وضمانة للبنان على المستوى العربي والدولي. فقبل شهرين قام تيمور جنبلاط بزيارتين إلى روسيا للطلب من القادة الروس التدخل للإفراج عن النساء الدرزيات اللواتي خطفن من قبل تنظيم الدولة الإسلامية مع أطفالهن، وقد تكللت مبادرته بالنجاح. فيما الآخرون ينظرون إلى الزعامة وكأنها قالب جبنة لكل منهم حصة فيه. 

وجود الوفد الاميركي في كليمنصو بالأمس ذكرني بما جرى بين السفير الاميركي السابق ديفيد ساترفيلد وبين جنبلاط من حديث في المختارة أثناء زيارته له عندما كان سفيراً لبلاده في لبنان، فقال ساترفيلد لجنبلاط "عليك بترميم هذا القصر لأنه جميل وأثري". فرد جنبلاط قائلاً: هذا القصر يشبه النظام اللبناني فلماذا لا تسمحون لنا بترميمه.

وفي النهاية مهما يكن ومهما يقال، يبقى وليد جنبلاط في ضمير الغالبية الساحقة من سكان الجبل ولبنان الدعامة الأساسية لأمن واستقرار هذا البلد. كما يبقى مجد العروبة والعروبيين مهما طال الزمان ومهما حيكت المؤامرات من حوله وعليه.. لأن مجد العرب والعروبة أُعطي له دون غيره والسلام.