Advertise here

شِحاح العقول

18 تشرين الثاني 2019 14:53:00 - آخر تحديث: 19 تشرين الثاني 2019 11:14:15

من المستغرب بقاء لبنان منذ ولادته، اي ابتداء من ميثاق 1943، المراوحة مكانه بعيداً عن ركب التطور والتقدم، علماً انه كان من المفترض ان يكون في أرقى درجات التطور، في مصاف الدول الراقية، لا سيما وأنه ، تاريخياً بلد الثقافات، والحضارات، والحوارات، ناهيك عن أن فيه من التنوع، والانفتاح، والقابلية للديمقراطية ما أغنى وكفى.

والأغرب من ذلك، هو هذا الانحدار نحو الهاوية، سياسياً، واقتصادياً،  واجتماعياً طوال هذه المدّة، وبسرعة فائقة، دون التفات بعض حكامه الى انقاذه من عثراته وأزماته، ولو بالحد الادنى، حفاظاً على مقوماته ومكوناته، غير عابئين في نفس الوقت، لِما يُحاك، ولِما يخبَّأ له من مشاريع، ومخططات قد لا تُبقي ولا تذر.

وقد كان من الممكن في لحظة من اللحظات، وقبل وقوع الواقعة ان يكون لبنان من اوائل الدول ديمقراطية، وملقى لكل الديمقراطيات، لأن فيه عناصر متوافرة لبناء ديمقراطية صحيحة، سواء أكانت ديمقراطية، سياسية، واقتصادية، ام ديمقراطية، واجتماعية، وشعبية، اي ديمقراطية متكاملة. ولكن أي ديمقراطية في لبنان! إنها ديمقراطية متخلقة مريضة لا علاقة لها، لا من قريب ولا من بعيد، بحقوق الشعب المشروعة، لا سيما للفقراء منه.

ديمقراطية أشبه بهرم قاعدته الشعب ورأسه هذه الطبقة المفترسة التي حرمته ألقه، ووهجه، وحضوره في هذا الشرق الكبير. فالديمقراطية في لبنان ديمقراطية مُعاقة، كأداة، تدافع عن امتيازاتها حتى الرمق الاخير، والى يوم الرحيل تاركة وراءها الفساد، والاهتراء على كل الاصعدة والمستويات.

فالديمقراطية، بالنسبة الى هذه الطبقة، هي ديمقراطية الأقلية القابعة في سدة الحكم. أقلية تفعل كما يحلو ويطيب لها دون حسيب أو رقيب، ضاربة عرض الحائط تطوير المجتمع، عاجزة عن الدفع به الى الأمام، تاركة إياه في حيْرة من أمره، يتخبط خبط عشواء، غير دارية منقلب الأمور والمصير..

فالطائفية في لبنان، تحمل في طياتها ديمقراطية مشوَّهة، أشبه بشركة او مؤسسة تديرها مجموعة قيادات طائفية مهترئة تسللَّت الى السلطة بواسطة قانون انتخابي يعود الى عهد "الرجل المريض"، قانون فيه من العداء للديمقراطية ما لا يقبله عقل ولا منطق.

ديمقراطية كانت وما زالت ألد اعداء الشعب مضاضة وكراهية، وهي بعكس ما كان يطمح اليه المعلم كمال جنبلاط من ديمقراطية منفتحة، شبيهة بديمقراطيات الدول المتقدمة. من هنا، برؤيته الشفافة، ببعد أفقه ونظره عمق الكارثة، ومدركاً سرّ الأمر قبل وقوعه.

واذا كانت معاناة المعلم كمال جنبلاط عدم اكمال ما كان يصبو اليه من تحقيق ديمقراطيته المتكاملة، فإنه لا شك قد وضع مداميك الفلسفة السياسية، والتي ستحتاجها أجيالنا الطالعة طال الوقت أم قصر، هذه الطائفية، وهذه الديمقراطية المعاقة هي التي افرزت هؤلاء الحكام، الذين شوهوا صورة لبنان، وأمعنوا في تشليعه، اقتصادياً، وسياسياً، واجتماعياً، وانمائياً..

من رحم هذه الديمقراطية والطائفية المقيتة، وُلد شِحاح العقول غير مدركين أنهم سيلفظون أنفاسهم آجلاً ام عاجلاً تحت صرخات الشعب، وأمام الذين يتضورون جوعاً.. فليستفيقوا!