Advertise here

أتذكرون يوم قال جنبلاط: "سيجرفكم نهر الشعب"؟

11 تشرين الثاني 2019 19:19:59

وتبقى ميزة وليد جنبلاط أنه قارئ المستقبل. بكلمات بسيطة على موقع تويتر كان جنبلاط يرى الإنفجار الإجتماعي الذي شهدته الساحات والشوارع اللبناني أمام ناظريه. قال حينها محذّراً ومتوجهاً إلى القوى السياسية المتعجرفة: "سيجرفكم نهر الشعب". لم يعرف هؤلاء السذج معنى هذه الكلمة وحقيقتها، تكابروا عليها وأنكروها، ولا يزال النكران يرافقهم، حتى بعد دوي الإنفجار الذي أحدث زلزالاً في بنية التركيبة كلها، لكنهم لا يزالون على مكابرتهم، يرفضون الإستماع إلى صوت الناس وصرخاتهم، متمسكين بمواقعهم وممتشقين مناصبهم.

خطورة هذا النوع من الكائنات السياسية أنها لا تقرأ حقائق ما يجري، ولا تبصر الواقع إنما تعيش في أوهامها الدونكيشوتية، ولا تتعلم من التجارب. اعتبروا أن التظاهرات ستتوقف بعد إستقالة الحكومة، وهذا جزء من انفصالهم التام عن الواقع، لأنهم يعتبرون أن التحركات غير موجهة ضدهم، باعتبارهم يصنفون أنفسهم من صفوة القوم. لكن حجم السخط تجاههم واضح للعيان، والمطالبات بخروج رئيس الجمهورية كانت المطلب الأساسي لدى المتظاهرين ولا تزال، بينما هم يراهنون على إنتهاء التحركات.

لو وقف هؤلاء أمام حقيقتهم، وراجعوا تصرفاتهم، لاكتشفوا أنهم هم من تسبب بهذا الإنفجار الذي شظى البلاد، وسحب البساط من تحت أقدامهم، لو راجعوا تصريحاتهم الفئوية والعنصرية، وتعطيلهم الدائم للمؤسسات والدولة بكلية بنيتها، من رأس هرمها للوصول إلى رئاسة، إلى تعطيل تشكيل الحكومات لنيل الحصة التي يريونها، وصولاً إلى التلاعب والمتاجرة بأرزاق الناس ومنع توظيف الناجحين في الخدمة المدنية لضرب الكفاءة وتعزيز مفهوم المحسوبية، والتعاطي بتعالي وفوقية مع اللبنانية على غرار أحد وزرائهم الذي توجه إلى اللبنانيين بالقول:" ما حدا يسمّعني صوته". وكأنه يظّن نفسه وكيل الله على الأرض، او خطابات من يتزعمهم التي لا تخلو من العنصرية الحاقدة التي يغلّفها بمصطلحات جديدة يخترعها على طريقة "lebanity" التي ابتدعها، لاكتشفوا أن الناس انفجرت بوجههم وضاقت ذرعاً من جنونهم.

مثل هؤلاء الذين لم يتعلموا من التجارب المرّة، لا يتوانون عن تكرارها والعودة إلى الغرق فيها، عبر استثارة العصبيات، والتمترس خلف الناس ومطالبها وحقوقها لتحقيق مكاسب سياسية والمتاجرة بها، لا زالوا على حالهم، في السعي الجشع لامتلاك جنة السلطة وعدم مغادرتها، بينما أقعوا البلاد في نيران شرورهم المستطيرة. جشعهم هو الذي يعرقل تشكيل حكومة جديدة قادرة على مواجهة الأزمة وإخراج البلاد من القاع الذي وصلت إليه.

وفي خضم التصادم بينهم وبين شركائهم، وسط تغييب كامل لمطالب الناس، فضّل وليد جنبلاط إجراء مراجعة شاملة، تتلاقى مع تطلعات الشعب المنتفض على واقع الحال، والذي سئم منطق التسويات والمحاصصات، ووصل إلى مرحلة تطالب بالتغيير التقدمي، التي توجب على كل القوى العودة إلى قواعدها بدلاً من العودة إلى السلطة، والدخول في حلقات نقاشية فكرية وثقافية ومعيشية مكثفة للوصول إلى خلاصة حول كيفية نقل البلاد من حال إلى حال.

أخذ وليد جنبلاط هذه المسؤولية على عاتقه، وشرع في دراسة معمقة لما جرى، مع مراجعة دقيقة لكل المرحلة السابقة، بإنجازاتها وإخفاقاتها، بصوابيتها وأخطائها، مع ضرورة التركيز على عنصر الشباب والتجديد والتطوير، وفق برامج سياسية وثقافية ترتكز بشقها الأساسي على عنصر الشباب، الذي ضاقت به السبل وسدّت أمامه الآفاق ليست المعيشية فقط، بل حتى آفاق التعبير عن نفسه ودوره وقدرته، وضرورة العودة للتصالح مع أدوار الشباب وإعطائهم حقوقهم ما قبل المعيشية، حقوقهم بالتأثير والتقرير والتغيير. لتبقى السلطة والجشع لما فيها في عقول أصحاب تلك الطينة الآنفة الذكر، والتي انفجر الشباب اللبناني بوجهها، فيما يبقى للحزب التقدمي الإشتراكي العودة إلى الجذو والثوابت، والإبحار في التطوير والتخطيط، عبر التكامل مع الشباب ورؤيتهم بما يوفر لهم كل ما يريدونه من أحلام وطموحات تتعدى الحسابات الضيقة والخدمات وتشمل ما هو أعمق واهم، ويُختصر بإعادة تأطيرهم ومساعدتهم على شق طريقهم وامتلاكهم لزمام الأمور.