Advertise here

الأحزاب اللبنانية أمام صدمة الشارع

08 تشرين الثاني 2019 10:42:51

"الشعب لا يفاوض، الشعب يقدم مطالب". عبارة اختصرها أحد المتظاهرين في بيروت ليجيب عن سؤالٍ موجّهٍ له حول التفاوض مع السلطة. عبارةٌ تختصر مفهوماً جديداً في إحداث التغيير. ولا يمكن إرضاء شعب ينتفض بالطلب منه تشكيل وفدٍ للحصول على بعض المقاعد الوزارية. وكل من يظن بأنه قادرٌ على إنهاء هذه الثورة بأساليب مضى عليها الزمن فهو مخطئ. أهمية هذه الثورة أن لا قيادات بارزة لها لكي تتصدّرها وتقطف ثمارها. إنها ثورةٌ وحّدت شعباً بقيَ مقسوماً عامودياً وأفقياً لأكثر من أربعة عقود، حيث لم يكن أحد ينتظر أن يشاهد فقط العلم اللبناني يرفرف فوق مظاهرات امتدت على كافة ساحات الوطن.

وها هي الأحزاب والتيارات السياسية في لبنان تقف عاجزةً إزاء طريقة التفاعل مع ثورة انطلقت شعبية وتحولت طلابية. بدأت الثورة بقطع الطرقات، وشلّت أوصال الوطن، فأسقطت الحكومة، ومن ثمّ تحولت اعتصامات طلابية لتشلّ مرافق الدولة والمؤسسات العامة.

أما اللافت للانتباه فهي نسبة الوعي والإدراك لدى جيل الشباب في الثانويات والجامعات، وهو الذي كسر حاجز الخوف، وأطلق العنان لشرح هواجسه ومطالبه، إضافةً لاشمئزازه من تصرّف الطبقة السياسية في لبنان التي تحتكر التوظيف والخدمات، وتقدّمها فقط لأزلامها.

أمام هذا الواقع، وكنتيجةٍ حتمية للثورة الحاصلة، والتي لن تهدأ بسهولة، ولن تخمد شرارتها، أصبح لزاماً إقرار قانونٍ جديدٍ للأحزاب اللبنانية يحاكي تطلعات هذا الجيل الصاعد، ويعالج كل المساوئ في الممارسات الخاطئة. ففي البند الأول يجب أن تكون الأحزاب في لبنان عابرةً للطوائف والمناطق، أي يجب أن يُمنع قيام كل حزبٍ أو تنظيم وفق انتماءاتٍ مذهبية. وقد ظهر جلياً رفضُ الشارع بعد الآن لهذه الظاهرة. كما وأنه يجب أن تمارَس الديمقراطية بشكل سليم وصحيح داخل كيان كل حزب، ويجب الابتعاد عن ممارسة الديمقراطية المركّبة والمعلبة، والتي دأب على ممارستها حرّاس الهيكل من الحرس القديم.

كيف يمكن للأحزاب أن تطوّر النظام اللبناني، أو أن تغيّره إذا كانت لا تمارس، وتطبّق، الديمقراطية، ومنطق الكفاءة والمحاسبة داخل كيانها. العمل المؤسّساتي وفق النظام الهرمي يعطي للأحزاب بُعداً وحيويةً للتعامل مع متطلبات العصر. عجزت الأحزاب اللبنانية عن التفاعل مع الثورة بسبب رفض الشعب لدور تلك الأحزاب التي خيّبت آمال شعبٍ قدّم خيرة أبنائه من أجل التغيير، وقيام وطنٍ عادل؛ مع العلم أن العديد من العناصر الحزبية، أو الجماهيرية، تشارك بالثورة وذلك ضمن قناعاتٍ ذاتية، وإيماناً منها بالشعارات المحقّة التي تمّ رفعها. فكم من عناصر فاسدة في الأحزاب اللبنانية كان يُشار إليها بالأصبع من قِبَل قواعد الأحزاب، ومن قِبَل الرأي العام، ولكن لم تكن هنالك آذان صاغية لتلك الملاحظات.

وهنا على سبيل التذكير بشكلٍ عام، لا الحصر، وفي إحدى الجمعيات العمومية للحزب التقدمي الاشتراكي التي عُقدت منذ حوالي العشرين عاماً طلب رئيس الحزب، وليد جنبلاط، في موازاة الاقتراع لأعضاء مجلس القيادة التصويت بثقةٍ أو لا، ثقةً لوزراء ونواب الحزب. آنذاك لم تُعلَن نتيجة التصويت مع أنها كانت معروفةً سلفاً. كان من المفترض حينها إصلاح الواقع لأن النتيجة كانت إشارة من جمهورٍ للحزب، كما هي الإشارة اليوم من شعبٍ للطبقة السياسية.

منذ سنتين سمعتُ فتاةً تخرّجت من الجامعة، وهي من بيئةٍ مسيّسة، وهي تقول إن أسوأ يوم في حياتها هو اليوم الذي ذهبت فيه لمرجعيّتها تسأل عن وظيفة، وهي حالياً مهاجرة في البرازيل.

ماذا يُنتظر من مواطنٍ بحاجة لواسطة كي يُدخل ابنه في مدرسة محترمة، ولكي ينجز بعض المعاملات الرسمية له، وكي يؤمّن وظيفة لأحد أفراد عائلته، أو لكي يُعالَج في المستشفيات المتخصّصة. إنه يُذلّ وهو ينتظر للحصول على الواسطة. وماذا ننتظر من المواطن عندما يشاهد الأحزاب تنهش الدولة، وحيث تقوم بعض الأحزاب أحياناً بتوظيف أسوأ ما لديها في مناصب إدارية، فقط لكونهم محظوظين.

 إنه غيضٌ من فيض، وكم هو مؤسفٌ أن يشوّه هذا الفساد المسيرات النضالية للأحزاب من أجل حرية الإنسان، والحياة الكريمة. إنه جرسُ الإنذار، وما على الأحزاب إلّا الاتعاظ، وإعادة قراءة الوضع لتصحيح المسار.

(*)  رئيس جمعية كمال جنبلاط الفكرية