Advertise here

ثورة المرأة اللبنانية

31 تشرين الأول 2019 13:02:00 - آخر تحديث: 24 أيلول 2020 13:36:47

أكدت المرأة اللبنانية بشكل جلي أنها زهرة الثورة الشعبية التي إنطلقت في 17 تشرين الأول، وبدا من مشاهد السلسلة البشرية التي امتدث على مساحات واسعة من طرقات لبنان يوم الأحد؛ احتلال النساء من مختلف الأعمار للحيز الواسع من الأماكن التي غطتها السلسلة، كما في الساحات الواسعة التي غمرها المواطنون بحضورهم خلال الأيام الماضية، والحديث على شاشات التلفزة ولوسائل الإعلام غلب عليه الصوت النسائي بشكلٍ واضح.

المرأة أعطت جمالية للانتفاضة، وكانت عامل جاذبية إعلامية هائلة لنقل وقائع حراك الثورة، كما كانت عامل استمالة كبيراً لفئات الشعب وشدَّتهم للنزول إلى الشارع والمشاركة في التظاهرات والنشاطات الموازية. والمشاركة النسائية الواسعة كانت أيضاً حاجزاً واقياً للاستهدافات السياسية والأمنية التي خطط لها البعض للنيل من الحراك وتخويفه، وقد برزت المرأة اللبنانية بأدوارٍ راقية ومسؤولة، وأثبتت شجاعة منقطعة النظير، وأكدت أن الثورة موجهة أساساً ضد الخوف ومن أجل المواطنة ومن أجل الدولة المدنية على ما قالت الفنانة ندى بوفرحات.

وما بين سحر اللطافة النسوية الزاهية للمرأة اللبنانية وبين إصرارها وشجاعتها؛ استمرَّت الثورة، وحافظت على تألقها ومقبوليتها، رغم المحاولات الخشنة واليائسة التي قام بها البعض لاستغلالها، أو حرفها، أو شيطنتها. كان نقاء المرأة اللبنانية عازلاً سميكاً حدَّ من الجنوح الذي أراده البعض للانتقام، او للاستثمار، أو لأخذ الثورة الى أماكن لم تكُن أبداً هدفاً للطيبين الذين نزلوا إلى الشارع ضد التهميش وضد الاستبداد، وضد سياسة المحاور السوداء المقيتة، وضد الظلم والفقر اللذين أصابا اللبنانيين جميعاً في السنوات الأخيرة.

بعض الشبيحة الذين حاولوا اقتحام ساحات الاعتصام – لا سيما في وسط بيروت – كانوا من الرجال فقط، وقد تصدى لهم النساء بقوة الرقة والصدق والنبالة. ودموع الجنود الذين بكوا عندما أُجبروا على التصدي للمتظاهرين أمام مشاهدتهم عظمة المرأة اللبنانية الجملية التي أسرت برُقيِّها وعاطفتها ووطنيتها الجنود اللبنانيين الذين تمرَّدوا - بكبيرهم وصغيرهم - على إرادة الحاكم الجائرة التي طلبت منهم مواجهة المتظاهرين.

ومن المؤكد أن القضايا المطلبية التي تنشدُّ إليها المرأة اللبنانية أكبر وأوسع من القضايا التي تهم الرجال، لأن الصعوبات التي تواجه النساء في لبنان أوسع من الصعوبات التي تواجه الرجال. ذلك أن مرحلة دخول المرأة اللبنانية بقوة الى سوق العمل واجهت انكماشاً هائلاً في الاقتصاد، وتقلُّصاً في فرص العمل. وبعض القوانين الذكورية – خصوصاً في مجال الأحوال الشخصية – دفعت النساء إلى الهرولة إلى الساحات عندما جاءت الفرصة المناسبة، لأن المرأة لا تستطيع أعطاء الجنسية لأبنها إذا كانت متزوجة من أجنبي، وهي تخضع لمحددات تفرضها قوانين الأحوال الشخصية عليها دون الرجال. وهي في السياسة لا تأخذ دورها كما يجب، لأن الثقافة الذكورية تعطي فرصاً للرجال أكثر مما تعطي فرصاً للنساء في هذا السياق، نظراً للمضايقات التي تتعرَّض لها النساء بمناسبة دخولها المعترك السياسي، علماً أن القوانين تتعاطى بمساواة كاملة بين الجنسين، لكن نسبة وجود المرأة في مجلس النواب وفي مجلس الوزراء لا تتجاوز 5%.

وقد برز خلال التصريحات التي أُطلقت من قبل نساء بارزات في التظاهرات؛ أن النمطية المعيشية التي تفرضها تقاليد معينة ذات خلفيات طائفية ودينية على الحياة الاجتماعية في مناطق مختلفة، ترفضها النساء المتعلمات اللواتي يُردن التحرُّر من القيود القديمة. كما أن السياسة الخارجية التي اعتمدتها الحكومة اللبنانية في الآونة الأخيرة والانتساب إلى محور إقليمي؛ لا تستسيغه النساء في لبنان وأكثر من الرجال، ويعتبرنَ: أنه، لا يخنق الاقتصاد ويساعد على الفوضى والفساد فقط؛ بل يفرض قيوداً على النساء.