Advertise here

قراءة هادئة للاحتجاجات الصاخبة: الرهان على النظام الطائفي مستمر!

28 تشرين الأول 2019 15:31:37

يُسجّل بعد مرور اثنا عشر يوماً على انطلاق حركة الاحتجاج العابرة للطوائف والمناطق والأحزاب، غياب الأساتذة والباحثين في  العلوم الاجتماعية عن دراسة أسباب هذه الحركة، والنتائج المترتبة عليها في حالتَي الفشل أو النجاح، وذلك بوصفها أهم الظواهر الاجتماعية في تاريخ لبنان الحديث. كما يُسجّل فشل هؤلاء الباحثين في توقعات حصول هذه الانتفاضة. وربما فشل الباحثين والمفكرين الكبار في العلوم الاجتماعية، على المستوى الكوني، في توقّع حصول الأزمة الكبرى عام 2008، قد انسحب علينا في لبنان، نظراً للتراجع الذي تشهده العلوم الإنسانية في غير مجال. 

ويبدو أن الأزمة، التي دخلت عنق الزجاجة بتعنّت أصحاب الحلّ والربط، مردّها بشكلٍ أساسي للرهانات الكبيرة لحزب الله، "حراس التسوية بأي ثمن"، على موازين القوى التي نشأت عقب الانتخابات الرئاسية والنيابية الأخيرة، وعدم السماح بتغييرها لأنها تخدم المشروع الإقليمي الذي يقبض على العواصم العربية الأربع، ومن بينها بيروت. كما أن الإمساك بعنق التغيير، ومحاصرة حركة الاحتجاج الشعبية، يعود إلى أن حزب الله يتقن، وعلى الطريقة الإيرانية، اللعب على حافة الهاوية، والمراهنة على لعبة الوقت، مضافاً إليها القدرة على شيطنة الحركة الاحتجاجية، وذلك من خلال الادّعاءات بارتباط من يحرّكها وينظمها بالسفارات، والعمل على أجندة خارجية لاستهداف سلاحه. 

من السخافة اعتبار رواية الادّعاءات بتحريك الانتفاضة من الخارج سبباً في تصلّب موقف حزب الله،  والذي وضع أمينه العام للحزب، حسن نصرالله، الخطوط الحمراء أمام المتظاهرين في أول خطابٍ له بعد ثلاثة أيام من انطلاق حركة الاحتجاج، ثم عاد وأكّد عليها في خطابه الأخير يوم السبت الفائت، وهي عدم السماح بانتخابات نيابية ورئاسية مبكرة، وباستقالة الحكومة، وتشكيل حكومة اختصاصيين. 

لذلك، فالقراءة السياسية لحزب الله للنتائج التي قد تترتب على نجاح الحركة الاحتجاجية، والتي برأيه ستؤدي إلى حتمية تغيير موازين القوى بشكلٍ يتعارض مع المشروع الإقليمي الذي يشكّل هو أحد وكلائه؛ هذه القراءة تعيق بشكل أساسي استقالة الحكومة، وتشكيل حكومة اختصاصيين قادرة على إعادة الثقة إلى الشارع، والمباشرة بالتصدي للأزمة المالية القائمة، والتي من المتوقع أن تتحول إلى أزمة نقدية يكون أول ضحاياها انهيار القطاع المصرفي.  

السؤال المطروح هو: هل يتمكن حزب الله من ضبط نتائج الحركة الاحتجاجية عند حدود المعالجة الاقتصادية والاجتماعية؟ وبالتالي الإطاحة بالأبعاد الأخرى لهذه الحركة، والتي تتعلّق بإلغاء الطائفية السياسية، ومحاصرة ولادة المواطنية القائمة على ولاءاتٍ تتيح للمواطنين تحديد خياراتهم بعيداً عن الولاءات المذهبية والطائفية، والتي تتناقض كلياً مع مشروعه السياسي الذي يرتكز على تقنيين الولاءات وضبطها في حدود التكليف الشرعي؟ 

هذا هو التحدي الأكبر الذي يواجه الانتفاضة الشعبية، والذي قد يطيح بإحدى أهم نتائجها المرتقبة، وهي الإطاحة بالنظام الطائفي لقيام نظامٍ قائم على المنافسة السياسية، وعلى الكفاءة والجدارة، وتكافؤ الفرص. 

الأيام القادمة قد تكون مصيرية للخيار بين ثلاثة سيناريوهات: التشبّث ببقاء الحكومة الحالية، والدخول في الفوضى لا سمح الله؛ أو السماح بتشكيل حكومة اختصاصيين تكون مهمتها فقط التصدي للوضع المالي والاقتصادي، ومنع العبور نحو إعادة بناء نظام وسلطة جديدَين. أما السيناريو الثالث فهو نجاح الانتفاضة في العبور إلى دولة المواطنة، وإجراء انتخابات نيابية على أساس قانونٍ خارج القيد الطائفي. 
يبدو أن هذا السيناريو دونه تضحيات هائلة لتحقيقه في ظل الرهانات القائمة على النظام الطائفي، بهدف الاستمرار في القبض على الدولة وقرارها في السلم والحرب.