Advertise here

الاتصالات السياسية لم ترسُ على برّ والعلاج الحكومي لا يسكّن الساحات

26 تشرين الأول 2019 22:37:00 - آخر تحديث: 08 أيلول 2020 12:03:59

تبقى الكلمة للانتظار الرتيب المخيّم على الواقع اللبناني مع دخول الغضب الشعبي أسبوعه الثاني من دون نجاح السلطة في ابتكار ترياقٍ شافٍ، أو أقلّه مهدّئ من شأنه تسكين الساحات وإعادة دفق الحركة والحياة الى الطرق المقفلة. الحكم إذاً هو للساحات اليوم، غير الآبهة للعلاجات الحكومية، والمنشغلة في تأمين أوكسيجين يبقي نبض دقّات قلب الانتفاضة على قيد الحياة، في ظلّ خشية المتظاهرين أن السلطة قد تحتكم أخيراً الى إبر تحنيط تحفظ جسد الحكومة الميتة في رأيهم ورؤيتهم. أمام هذه المشهدية، من تراه يتبرّع بإجراء جراحة سياسيّة إنقاذية ناجحة، تحفظ استمرار البلاد وتدرأ المخاطر الاقتصادية والمالية وتحجب شبح الفوضى والهواجس الأمنية؟
لا يزال الترقّب السياسي سيّد الموقف، مع عدم استقرار بورصة الطروح المترجّحة بين المطالبة بتشكيل حكومة مصغّرة من اختصاصيين والعودة الى نغمة التعديل الوزاري. الإجابة عن الحلول، وفق أوساط مقربة من رئاسة الحكومة، تختصر حتى الآن بالوصفة الطبية نفسها، المتمثلة بضرورة المضيّ في ترجمة الاصلاحات التي تضمنتها ورقة الرئيس سعد الحريري الإنقاذية، وصون الوضع الاقتصادي، ودعوة الأفرقاء السياسيين الى المشاركة، مع التأكيد أن الاصلاحات المنشودة هي بمثابة خطوات مهمّة وركيزة أساسية لمسار إصلاحي طويل. ويبقى إمكان الذهاب في اتجاه حكومة اختصاصيين خيارا قابلا للنقاش.
وفي معلومات استقتها "النهار"، كانت خطة الحكومة تقضي بمباشرة الخطوات التنفيذية في الورقة الاصلاحية والتوجّه نحو حصر التظاهرات بالساحات وفتح الطرق وعودة انتظام العمل الى المؤسسات، إلا أن خياراً مماثلاً لم يكتب له النجاح، مع استفحال ظاهرة قطع الطرق أمس الخميس.
لم ترسُ الاتصالات المكوكية بين القوى السياسية على برّ. وفي رأي أوساط نيابية بارزة في "اللقاء الديموقراطي"، أن اللقاءات والاتصالات لكوادر الحزب التقدمي الاشتراكي لم تتوصّل الى اتفاق، فوتيرة المشاورات بطيئة في ظلّ الهواجس الاقتصادية. وكان وقع طرح التعديل الوزاري مختلفا قبل أيام، مع الرهان على خروج عدد من الوجوه وإدخال دم جديد لطمأنة الشارع".
لا إشارات لتراجع الصخب في الشارع، والسؤال الذي لطالما ارتبط بجنبلاط "الى أين؟" لا اجابة واضحة عنه اليوم. وفي رأي "اللقاء الديموقراطي"، لا بد من خريطة طريق عبر انتخابات نيابية مبكّرة، والا فلا قيمة للتغيير بالذهاب الى الفراغ. نحن مع اسقاط النظام، لكن عبر الانتخابات والتعديلات الدستورية. أثبت النظام الطائفي فشله وللدولة المدنية آليات، وعلى السلطة طمأنة الناس الى بدء جدولة هذه الخطوات، وهذا ما لم يتم بعد. نميل الى استقالة الحكومة وتشكيل حكومة انتقالية ملزمة إجراء انتخابات نيابية مبكرة على أساس نظام انتخابي جديد يحاكي نبض الشارع الذي يتطلع الى دائرة واسعة ونسبية أكبر".
وبذلك، تتجه الأنظار مجدداً الى رئيس الحكومة، بعد رسالة رئيس الجمهورية ميشال عون. وفي مقاربة مصدر على صلة وثيقة بالوزير جبران باسيل، فإن عون وجّه اشارة من ضمن كلمته الى الواقع الحكومي الذي يحتاج الى اعادة نظر، وتلقف رئيس الحكومة هذه الاشارة. ويحترم رئيس الجمهورية الدستور، اذ لا صلاحية له لحلّ الحكومة أو طلب تعديلها، وهذا اثبات جديد على أنه يحترم الطائف. وتكمن أهمية موقف رئيس الجمهورية في أنه لم يذهب في الاتجاه السياسي عبر استقالة وزراء التيار، بل اختار الاتجاه الدستوري ومنطق الشراكة في القول لرئيس الحكومة بأن الواقع يحتاج الى اعادة نظر، والمسألة اذاً عند الحريري. يبقى المهم انضباط الأمن والحفاظ على سلمية التظاهرات، وأن تتلقف الحكومة صوت الناس وتمضي في الاصلاحات التي هي حدّ أدنى.