Advertise here

ماذا بعد "الثورة"؟

23 تشرين الأول 2019 20:45:00 - آخر تحديث: 24 تشرين الأول 2019 09:43:42

في هذه اللحظات المفصلية من تاريخ لبنان الحديث، تتساقط الكلمات عن معانيها الحقيقية، إذ لا يمكن لأي عاقل أن يدير ظهره لما يجري في الساحات اللبنانية، خصوصاً إذا كان من أصحاب الرأي ومن مؤيدي حرية التعبير الديموقراطي والسلمي.

مفهومة الصرخة الشعبية المدوية لا سيما أنها تحمل مطالب محقة ومشروعة طال انتظارها، ومفهوم أيضاً إصرار الشارع على عدم التمييز بين مكونات الطبقة السياسية في تحمل المسؤولية، لأن ما وصلت إليه حال البلاد تتحمل مسؤوليته السلطة مجتمعة بمختلف مكوناتها، ولكن بنسب متفاوتة وهذا ليس تفصيلاً.

ليس تفصيلاً أن تمعن قوى سياسية في القبض على القرار السياسي في البلاد ضاربة عرض الحائط كل التوازنات السياسية، وليس تفصيلاً أن تعطل قوى سياسية المؤسسات الدستورية تأميناً لإنتخاب رئيس دون سواه، وليس تفصيلاً أن تستحضر بعض الأطراف نبش القبور والغوص في الماضي كي تدمر المستقبل، وليس تفصيلاً أن تتفرد بعض الأطراف بالسياسة الدفاعية وأخرى بالسياسة الخارجية، وليس تفصيلاً تدجين القضاء وتسخيره لكم الأفواه وإسكات أصوات الشباب والشابات ورؤساء تحرير الصحف، وليس تفصيلاً تحويل الأجهزة الأمنية الرسمية إلى محميات سياسية تأتمر بأوامر أطراف معينة تجاوزاً لكل الأصول والقوانين، وليس تفصيلاً... الخ.

تطول لائحة الانتهاكات المنهجية التي تعرّضت لها الدولة والمجتمع السياسي والشعب اللبناني، وتطول لائحة الاعتداءات على حرية المواطنين وأمنهم واستقرارهم.

ليس الوقت الآن للتذكير بكل ذلك؟ ربما كل الأطراف السياسية تتحمل مسؤولية ما؟ ربما صحيح أيضاً. ولكن ماذا بعد؟

الثورات جميلة، ومشهد الساحات كرّس مسار لبنان الديموقراطي الذي سعى البعض إلى ضربه بطريقة منهجية. ولكن حقبة ما بعد الثورات هي الأصعب والأكثر تعقيداً لا سيما في نظام معقد ومركب كالنظام اللبناني.

إن الطائفية والمذهبية التي هي سمة النظام اللبناني ولوثته الأساسية، تتغلغل في كل مفاصل المجتمع بطريقة أفقية، وهي بتركيبتها تلك مغايرة للأنظمة الديكتاتورية التي تتشكل قوتها من بنية هرمية عمودية يؤدي سقوط رأسها إلى تلاشي سائر أطرافها وإنهيارها.

إنها الديكتاتورية الطائفية المنتشرة أفقياً والمتجذرة في المجتمع اللبناني منذ عقود، يتطلب الخروج منها في الدرجة الأولى إجراء إنتخابات نيابية مبكرة على أساس لاطائفي كما ورد في اتفاق الطائف. وهنا نقطة البداية.

اللبنانيون أسقطوا الحواجز الطائفية وكسروها بوحدة كلمتهم، المهم الآن استثمار المناخ الوحدوي للدفع قدماً نحو تحقيق هذا المكسب المنتظر منذ سنوات طويلة وقاتمة، فرّقت بين اللبنانيين على أساس طوائفهم ومذاهبهم وحولتهم إلى رعايا من دويلات الطوائف والمذاهب.

إنها الخطوة الأولى نحو الدولة المدنية التي تحترم الأديان وتترك لها مساحاتها الإيمانية في صفوف الأفراد والمجتمع، بعيداً من السياسة ومتطلباتها!