Advertise here

ما معنى التمسّك باستمرار تسوية قوضت كل شي؟

22 تشرين الأول 2019 19:32:04

أثبتت الانتفاضة الشعبية المستمرة منذ أسبوع أننا نتجه نحو ولادة مواطنية لبنانية تتجاوز الطوائف، والمذاهب، والمناطق، والأحزاب، والطبقات الاجتماعية؛ ومن أولى نتائجها المباشرة أنها كسرت حاجز الخوف، لاسيّما داخل مجتمعاتٍ كان قد ظنّ قادتها أنهم بمنأى عن أي حركة احتجاجات أو انتقادات. 
 
أدانت هذه الحركة الطبقة السياسية مجتمعة، ولم تميّز في المسؤوليات وأحجامها، كما لم تعطَ انتباهاً، وللأسف، إلى أن الحرية التي ينعم بها هذا التحرك هي نتاج نضال أحزاب وقيادات رفضت الانصياع وضرب الحريات في أحلك الظروف وأقساها. أدانت هذه الحركة أيضاً السياسات الليبرالية التي أفقرت الناس، وزادت من مستويات التهميش والبطالة، وأدت الى حيازة فئة ضئيلة من اللبنانيين على غالبية الثروة الوطنية. 
 لم توفر هذه الحركة أيضاً النظام الإداري بكل طبقاته الإدارية والقضائية، ومستويات الفساد فيه، وتجاوزت الحركة الاحتجاجية هذه كل الأحزاب السياسية وأطروحاتها، وانطلقت من الحاجة إلى رغيف الخبز، وفرصة العمل، والضمانات الاجتماعية، والكرامة الشخصية، والتي تقدمت على كل الانتماءات السياسية والمذهبية.  


وغلب على هذه الحركة طابع الشباب لدرجة يمكن أن نقول بأنها من نتاج الثورة الرقمية والفكر النقدي. هذه الثورة. خلقت جيلاً جديداً اهتماماته وطريقة تفكيره مختلفة، وبعيدة كل البعد عن اهتمامات أهل السلطة، لاسيّما من هم في أعلى الهرم. 
وكما أسقطت ثورة الأرز التي قادها وليد جنبلاط "شعار شعب واحد في دولتين"، أعلنت هذه الحركة الاحتجاجية عن ثلاثية جديدة هي الشعب والجيش والوحدة الوطنية؛ ثلاثية نابعة من الإرادة الشعبية لحوالي مليوني لبناني من جميع الفئات والطبقات الاجتماعية. 
ولا شك في أن هذه الانتفاضة تعبر بشكلٍ واضحٍ عن المأزق الذي وصل إليه النظام الطائفي وهو  أساس المشكلة، بالإضافة إلى مأزق النظام الاقتصادي الليبرالي المتوحش، وسياسة الهندسات المالية، ونظام الضرائب الجائر، ونظام المحسوبيات والزبائنية والفساد الذي قوض مبدأي الكفاءة وتكافؤ الفرص. 
وبعيداً عن كل الدراسات والإحصاءات، أظهرت حركة الاحتجاجات هذه مستويات الفقر، والبطالة والفوارق الاجتماعية بين المواطنين، ولا سيّما الشباب منهم، وأظهرت مستوى الظلامة والشكوى من طريقة معالجة مشاكل الناس في الإدارة والقضاء ومكاتب عددٍ كبيرٍ من المسؤولين من نوابٍ ووزراء، وفي المحاكم المذهبية، والاستخفاف بأبسط حقوقهم المشروعة. 
أسقطت هذه الانتفاضة، التي غالبيتها من جيل "الثورة الرقمية"، كل القداسات والرهانات خصوصاً تلك التي قامت عليها التسوية التي أطاحت باتفاق الطائف، وقوّضت كل فرص استعادة الدولة لقرارها في الحرب والسلم، وسلّطت أحد النافذين على كل مرافق الدولة والناس، وأجهضت كل مساعي الإصلاح   الحقيقي والجدّي. 

المشاركون في الانتفاضة، وغالبية المشاهدين، ترى أن القرارات التي اتخذتها الحكومة في جلستها الأمس جاءت مخيبة للآمال، حيث تمّ تحييد محميات سياسية عن الإصلاح، وتركت الوزارات والإدارات التابعة لهذه المحميات مسرحًا لنفوذها ومصالحها وفسادها، وهو الأمر الذي يؤكد أن البعض لا يريد سماع أصوات أكثر من مليوني لبناني، ولا نية لإجراء الإصلاح الحقيقي، وربما لأن هذا البعض ما زال يراهن على إمكانية سحق الانتفاضة، أو على الأقل احتواؤها. 
من يفكّر بسحق الانتفاضة يعيش في غيبوبة عما يجري، والانتفاضة الشعبية أظهرت ولادة جيلٍ نقدي جديد من المستحيل احتواؤه بإصلاح شكلي. لذلك فالبلاد بحاجةٍ لإصلاحٍ هيكلي وشامل يطال كل نواحي شكاوى الناس وأوضاعهم، ولا سيّما الشباب منهم. وفي مقدمة هذا الإصلاح إجراء انتخابات نيابية مبكرة على أساس قانونٍ جديد، وتخفيض سنّ الاقتراع.
 
وأخيراً  أتساءل ما إذا كان الرئيس الحريري يراقب ما يجري، وعلى الأقل في معاقل زعامته في طرابلس، وصيدا، وغيرها من الأماكن. كما أتساءل، ما معنى التمسّك باستمرار تسوية قوضت كل شي؟