Advertise here

كتاب مفتوح إلى رئيس الجمهورية

22 تشرين الأول 2019 16:12:15

 

فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون المحترم

بعد تقديم واجب الاحترام لموقعكم، رأيت من واجبي، بعد التطورات الخطيرة التي تشهدها البلاد، والتي باتت تهدد الجمهورية والنظام بالسقوط، أن أتوجه إليكم بهذا الكتاب، باعتباركم الرئيس الذي أقسم يمين احترام دستور الأمة وقوانينها والمحافظة على استقلال الوطن وسلامة أراضيه. 

فخامة الرئيس، 

تعلمون، كما يعلم القاصي والداني، أنني لست في عداد من انتخبوكم رئيساً للبلاد، لأنكم خالفتم أحكام الدستور يوم عينتم رئيساً إنتقالياً للحكومة عام 1988، مهمتها تسهيل إنتخاب رئيس للبلاد، فشاركتم في تعطيل الانتخابات مدة طويلة من الزمن لأنكم كنتم ترفضون إنتخاب غيركم. 

ولم أنتخبكم لأنكم قررتم خوض حربي التحرير والإلغاء، فجاءت نتيجة الأولى دخول السوريين إلى كل لبنان بدل خروجهم منه، وأدّت الثانية إلى إقتتال المسيحيين في ما بينهم وتدمير البنية التحتية لمناطقهم ، وإلى دفع الجيش الشرعي لخوض حرب ضد شعبه. 

لم أنتخبكم لأنكم بعد سعيكم لإخراج السوريين من لبنان، كما نصّ عليه إتفاق الطائف، عقدتم معهم صفقة سياسية لتعودوا إلى لبنان بشرط الانضمام إلى محور قوى 8 آذار، والخروج من 14 آذار وعدم التحالف معه، وبدلتم موقفكم بصورة مفاجئة من سلاح حزب الله، الذي كنتم من رافضي وجوده. 

لم أنتخبكم لأنكم عطلتم تشكيل الحكومات مدة تزيد عن السنتين لفرض صهركم وزيراً فيها، ولأنكم عطّلتم إنتخاب رئيس للجمهورية أكثر من سنتين ونصف سنة، ولم تقبلوا بإجرائها إلا عندما ضمنتم إنتخابكم رئيساً، بعدما عقدتم صفقة مع من كنتم تتهمون بالفساد (تيار المستقبل) ومع من قد تذابحتم معهم على زعامة المسيحيين (القوات اللبنانية)، تقاسمتم فيها السلطة والمناصب والحصص طوال عهدكم. 

نعم، لم أنتخبكم، ولست نادماً، بل على العكس من ذلك، وأنا فخور بموقفي هذا. 

لم أنتخبكم لأنني لا أؤمن بأن من يخالف الدستور ليصل إلى السلطة، سيحترمه متى وصل، ولأنني شهدت الأداء الفاسد والفاشل لمن عطّلتم البلاد لتوزيرهم، وكيف فشلوا في إنجاز أي شيء، إلا اتهام الآخرين بتعطيل مشاريعهم، وإثارة مشاعر المواطنين بالغرائز الطائفية والفئوية، ونبش القبور ونشر الحقد بين الناس، وعقد الصفقات المشبوهة وتدمير الإدارات والمؤسسات العامة واستباحتها لزرع الأزلام والمحاسيب على حساب حق اللبنانيين بالمساواة والجدارة والكفاءة. 

لم أنتخبكم، لكني احترمت نتيجة إنتخابكم، وصلّيت إلى الله أن يوفقكم، متمنياً أن يكون تقييمي لكم خاطئاً، وأنكم، بعد تحقيق حلمكم بتولي رئاسة البلاد، ستصلحون الأوضاع وتحدثون التغيير المنشود. 

إلا أنه، وبكل أسف، تحوّل عهدكم، الذي قام على صفقة لتأمين نفوذ أطرافها ومصالحهم، إلى صراع بينهم، فتقاسموا البلاد مراكز طائفية ومذهبية وحزبية وعائلية، يتناتشونها بهدف تثبيت نفوذهم وزيادة ثرواتهم، غير آبهين بواقع الناس والخزينة والعجز والاقتصاد والبطالة والهجرة والفقر والجوع. 

فاسمح لي، يا فخامة الرئيس، أن أصارحكم بأن لبنان لم يشهد في تاريخه أداءاً أسوأ وأفسد من الذي حصل خلال السنوات الثلاث الأولى من عهدكم، بشهادة أقرب الناس إليكم وحلفائكم السياسيين، فعمّ الفساد وخولفت القوانين، وعقدت الصفقات المفضوحة، وتحوّل لبنان إلى دولة تقاسم للمغانم ولامتصاص أموال الشعب، وبتنا في دولة " حكّلي تا حكّلك ومرّقلي تا مرّقلك". 

ولم تشهد السلطة يوماً شخصنة على حساب المؤسسات والدستور والقوانين التي يعيشها لبنان في عهدكم، ويكفي للدلالة على ذلك، كيف وكلتم نسيبكم ووزير خارجيتكم، بإدارة البلاد عنكم، بحيث أصبح هو الآمر والناهي، وتحملتم أنتم بالتالي مسؤولية إخفاقاته ونزقه وطمعه وأحقاده وفساده والحسابات التي يريد تصفيتها مع الناس. 

لم يتحقق ويا للأسف أي من وعودكم للبنانيين بسبب استسلامكم لمحيطكم من العائلة والمبخرين وأصحاب المصالح، الذين لا خبرة لهم ولا ثقافة سياسية عندهم، والذين اقتصر دورهم على إرضائك وإخفاء الحقائق عنك، بالإضافة إلى صراعهم في ما بينهم على الواقع. 

والغباوة، كل الغباوة، كانت في أن تحاول حكوماتكم تحميل المواطنين وزر إخفاقاتها بفرض الضرائب عليه وضرب حقوقه المكتسبة، ولا سيما على الطبقات الفقيرة من المواطنين. 

فخامة الرئيس، 

بالنتيجة انفجر الوضع الاجتماعي في وجه عهدكم، بعد أن عيل صبر الشعب، فقرر أن يستعيد دوره في محاسبة الحاكمين ووضع حدّ لإهمال رأيه ومشاعره وحاجاته، ظناً منهم أنه لن يحاسبهم. 

فرغم خوفي الكبير من الواقع الخطير الذي بلغته البلاد، أسمح لنفسي أن أسجل لكم ولهذه الحكومة إنجازاً تاريخياً عظيماً، وبارقة أمل وطنية، هو أنكم وحّدتم الشعب اللبناني حول رفض أدائكم الذي أوصل الناس إلى حافة الجوع. لقد توحّد شعبنا وتحرر أخيراً من تبعياته وعبوديته المناطقية الطائفية والمذهبية والحزبية والبيئية، بعد أن أصيب بالخيبة والخذلان بسبب هذه التبعية العمياء، وهو ما كنت أطالب به دائماً مردداً: أن لا قيمة لتحرير أرض يسكنها العبيد، فالتحرير يكتمل يوم يتحرر الإنسان الذي يقيم عليها. 

إلا أنني، ومع فرحي الكبير بهذا الإنجاز، الذي أتمنى دوامه، وألاّ يكون موسمياً، وفرحي الأكبر بأن هذا الشعب، المتألم الجائع والخائف، أثبت أصالته وحبه لبلاده بحيث أن الملايين التي احتشدت في كل أرجاء لبنان، دون أي تنظيم أو منظّمين لحركتهم، لم يعتدوا على أحد، ولم يخرّبوا ملكاً خاصاً أو عاماً، ولم يعتدوا على رجل أمن أو جندي، وأنهم ردعوا من حاول ذلك، ما يؤكد طيبته ونيته الصادقة للتغيير ووقف الممارسات الشاذة لأهل السلطة ومحاسبة الفاسدين واسترداد ما سلبوه من أموال الدولة. 

إنني، رغم ذلك، أخاف من أمرين يعود إليكم، وإليكم وحدكم، تفاديها. الأول أن تبقوا في حالة إنكار لجدية الحراك الشعبي، ولا سيما بعد أن أنصرف البعض من محيطكم لإقناعكم بأن الحركة الشعبية تصب في مصلحة العهد وممكن توظيفها ضد المعارضين، أو أن الانتفاضة الشعبية هي من تدبير السفارات، إما بالاتكال على عامل الوقت وتراجع الحركة، وإما باللجوء إلى سياسة المراهم التي لا تحلّ المشاكل الكبيرة، بل ينحصر مفعولها في تأجيل الانفجار الكبير. 

والثاني أن تحاولوا، إرضاءً للناس، تعديل بعض طاقمكم الحكومي، وابقاء الفاسدين منه، لاعتبارات عاطفية أو عائلية أو حزبية من جهة، أو لاعتبارات سياسية تفادياً لإنفراط عقد التسوية الذي أُنتخبتم على أساسه وبسببه، من جهة أخرى. 

فخامة الرئيس، 

إنه لمن المؤسف حقاً أن تتجاوزوا صرخة شعبكم، التي تجمع على وجوب طرد الفاسدين من الحكم، وأن تطرحوا سلسلة من التدابير والإجراءات والوعود البرّاقة، وتطلبوا من الفريق الحكومي الفاسد والفاشل تنفيذها، وهو الفريق الذي أوصل البلاد إلى الهاوية، ما أوحى للناس أنكم تحاولون إنقاذ الحكومة والصفقة الرئاسية وليس إنقاذ البلاد. 

إن من واجب المسؤول أن يتابع نبض الناس ومعرفة تبدلاته، وكل تجاهل لهذا النبض إنتحار. لقد طفح الكيل، والناس خائفة من الغد، خائفة على لقمة عيشها، خائفة على مستقبلها، خائفة على مستقبل أولادها ومستقبل لبنان، وأن ما جمع الناس هو جوع الناس والمعالجات السطحية، والوعود بالإصلاح، على يد من عاث فساداً في البلاد، كذبة كبيرة لا تمر، إذ كيف يُؤمل من الفاسدين مكافحة الفساد، وكيف يُنتظر من تجار الطائفية إقفال دكاكينهم، وكيف يمكن الهدّامين بناء ما هدموه. لقد جرّبوهم فخذلوهم، لقد عقدوا الآمال العريضة عليهم فخابت آمالهم. 

المطلوب، يا فخامة الرئيس، وقفة ضميرية تاريخية شجاعة منكم. المطلوب أن تقلبوا الطاولة على محيطكم وأن تطردهم من هيكل السلطة، كما طرد السيد المسيح اللصوص من الهيكل. 

لقد قال الرئيس شارل ديغول "أنا لا أنتمي الى أحد، أنا أنتمي الى كل الناس...، وأن للرجال أصدقاء بعكس رجال الدولة". 

فالمطلوب منكم، يا فخامة الرئيس، أن تتحرروا من تحالفاتكم وأصدقائكم ومحيطكم وأن تعودوا رئيساً لكل اللبنانيين، بدل أن تكونوا رئيساً لفئة منهم في وجه الآخرين. 

نعم المطلوب أن تكونوا رئيساً "لجمهوريتي" ولجمهورية لبنان. 

المطلوب خروجكم من لعبة المصالح والتسويات، ودخولكم إلى حرم الدستور والقانون. 

المطلوب أن تستعيدوا دوركم رباناً لسفينة لبنان، رئيساً لكل سلطاته وموجهاً لها، وحَكَماً في الحياة السياسية، وأن تبقوا ملاذاً يلجأُ إليه اللبنانيون عند الشدائد، وهو ما نفتقده في هذه الأزمة. 

أبعِد المبخّرين وأصحاب المصالح الشخصية عنك، فأنت وموقعك ومسؤوليتك، أهم وأنبل وأخطر بكثير من كل البخور الذي ينشرون حولك والمصالح التافهة التي يسعون لتحقيقها بسبب وجودهم بقربكم وسكوتكم عنهم. 

المطلوب منكم أن تستردوا زمام المبادرة وأن تطلبوا من القوى السياسية المتنازعة والمتسابقة على المصالح أن تتنحى وتقف جانباً، وأن تتنازل عن مطالبها ودورها، ولو موقتاً، لتصرف هذه الحكومة الميؤوس منها، وتشكّلوا فريق عمل حكومي من الأكفياء، النظيفي الكف، الناجحين في أعمالهم واختصاصاتهم، وتكليفه وضع الخطط الجدية والعلمية التي تنقذ البلاد، بدءاً بإقرار خطة إقتصادية علمية جدية ووقف الهدر والصفقات، مروراً بوضع قانون جديد للإنتخاب وإجراء إنتخابات نيابية مبكرة تسمح للمواطنين بالتعبير عن رأيهم ومحاسبة المسؤولين. 

والمطلوب من الأكثرية النيابية التي انبثقت من أسوأ قانون إنتخاب في العالم، أن تتنازل وتتواضع، وتفسح في المجال أمام فريق من غير السياسيين، لإيجاد الحلول بعد أن عجزت، والأهم أن لا تنصب الفخاخ لهذا الفريق لتسقطه، كما أشار إليه حليفكم سماحة الإمام السيد حسن نصر الله. 

فخامة الرئيس، 

شعبنا خائف من واقعه، وقلق على مستقبله ومستقبل أولاده، وهو، بأكثريته العاقلة، ينتظر منكم هذه المبادرة الشجاعة، التي قد تضع البلاد على طريق استعادة العافية وذلك قبل فوات الأوان وانفلات الأمور وانجراف كل السلطات. المطلوب استعادة الثقة بالسلطات التي ترأسها بعد أن سقطتنتيجة أداء حكوماتكم وطمع وتسلط الطبقة الحاكمة. وإنني بإسم هذه الأكثرية أدعوكم إلى إثبات شجاعتكم لتنقذوا لبنان من مفترسيه. 

واقبلوا الاحترام

بطرس حرب