Advertise here

بعض الحكومة مستمر في استبداده... وردّ الناس: إنها أزمة ثقة

22 تشرين الأول 2019 12:11:02

سريعاً كان ردّ الناس الرافض للورقة الإصلاحية التي أقرتها الحكومة. في اللا- وعي اللبناني، ثمة انعدام للثقة بالحكومات المتعاقبة. وهذا ما انعكس تفجراً متزايداً للتحركات والاحتجاجات الشعبية ورفضاً للوعود التي يعتبرها المتظاهرون غير قابلة للتطبيق، وهو ما لم ينتبه له أركان العهد، ووزراؤه الذين وصفهم الوزير وائل أبو فاعور بالمستبدين. إن الناس في شعاراتها، واتحادها، ومطالبها، وتخطّيها لكل طائفية، أو مذهبية، أو مناطقية خرجت على كل ما أراد هذا العهد تكريسه من انقسامٍ واستثمارٍ طائفي ومذهبي.

وما لم ينتبهوا له أيضاً، وتوقفوا عنده باستهزاء، هو أن الناس ثارت ثورتها بسبب فرض ضريبة على الواتساب، أو الاتصالات المجانية، بدلاً من أن تثور قبل ذلك بسبب أزمة الليرة والدولار. ولكن استهزاؤهم هذا ينمّ عن انعدام رؤية عميقة لحقيقة الناس، ويؤشّر إلى أنهم لا ينظرون إلا من خلال تطلعاتهم الفوقية التي تتلاءم مع ما يريدونه. بينما الواقع مختلفٌ تماماً، خصوصاً وأن ثورة الواتساب، هي أشد تعبيرٍ عن أن الناس قد تحمّلت إلى حدّ بعيد الأوضاع الاقتصادية السيّئة، والتردي المعيشي، ولكنها انتفضت في لحظة اختطاف صوتها، ومحاولة فرض ضريبة حتى على الوسائل التي من خلالها ستكون قادرة على التعبير عن شكواها، وتوجيه انتقاداتها.

استشعرت الناس محاولة للإطباق على أنفاسها، وخنق كلماتها بعد أن خُنقت بلقمة عيشها. وهذا ما أدى إلى الانفجار المتعدد الأوجه سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. وهذا الكلام في أبعاده، يفسّر العمق الذي قصده أبو فاعور لدى وصفِهِ وزراء التيار الوطني الحر بالاستبداد. والناس انتفضت على تجاوز الدستور، وقررت أن تأخذ المبادرة للخروج من الإحباط الذي استمرت سلطة التسوية بممارسته منذ ثلاث سنوات، وذلك بتحذيراتٍ متعددة حول انهيار الوضع الاقتصادي، وضيق الوضع المالي، وارتفاع سعر الدولار.

بنتيجة هذه المواقف اللا- مسؤولة، والسياسات غير المدروسة، قرّر الناس الخروج من إحباطهم والتعبير عن غضبهم لوقف هذا المسار الانحداري، ووضع حدّ للانهيار. وهكذا دوّت صرخاتهم في الشارع موحّدين متعاضدين، وبعيداً عن كل حسابات التفرقة التي حاولت قوى سياسية زرعها وتأبيدها.

الردّ المدوي على الورقة الإصلاحية، وعدم الثقة بالممارسة السياسية، جاء بالأمس بعد كلمة الرئيس سعد الحريري، وهو ما أظهر أن الناس مستمرة في تحركاتها، رافضة الخروج من الشارع. وعندما حاولت بعض القوى ترهيب المتظاهرين باللجوء إلى تحركاتٍ أصبحت مكشوفة، كان الجيش اللبناني يقف بالمرصاد، ويتصدى لأي محاولة للاعتداء على المتظاهرين، أو المسّ بهم، فكان موقف الجيش عرّاباً للربيع اللبناني، وحامياً للمدنيين، وبشكل قدير، وبإمكان الناس الاستناد إليه للمراكمة على تحركاتها بهدف الوصول إلى تحقيق الهدف المنشود، بعيداً عن شعبويات واستثمارات أهل الحكم، أو المعارضة.