Advertise here

عن زيارة بوتين الخليجي

20 تشرين الأول 2019 09:27:00 - آخر تحديث: 20 تموز 2020 16:24:15

د. ناصر زيدان
روسيا تحتفظ بعلاقات جيدة مع مجمل دول الشرق الأوسط، وتستطيع أن تُساعد في حل العديد من المشكلات القائمة
من حيث التوقيت؛ جاءت زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى المملكة العربية السعودية، وبعدها إلى الإمارات العربية المتحدة في ظروف سياسية وأمنية في غاية التعقيد، حيث المشكلات تتفاقم في المنطقة، من سوريا - وتحديداً في شمالها - وفي اليمن، وفي العراق، ولبنان، إضافة إلى السودان، ونهر النيل، فضلاً عن الملفات المُستجدة في ما يتعلّق بالتهديدات التي تطال صناعة النفط العالمية، وما يدور حول هذه الصناعة من تجاذبات، من جراء الأزمة الحادة بين إيران والمجتمع الدولي.
ومن أبرز النقاط التي تعطي أهمية للزيارة، هي ملء مساحة من الفراغ الدولي الذي حصل في المنطقة بعد الاعتداءات التي استهدفت منشآت «أرامكو» في المملكة العربية السعودية، قبل شهر، علماً بأن الرياض اعتبرت أن العدوان لا يستهدف المملكة فقط، بل هو موجه ضد الاستقرار الدولي، ويهدد التجارة العالمية، ولم يُلاحظ أن المجتمع الدولي قام بكل ما يجب في وجه النوايا العدوانية، وبقيت ردود الفعل محدودة، باستثناء قرار الولايات المتحدة الأخير القاضي بإرسال 3000 جندي مع تجهيزات مناسبة للمساهمة في حماية منشآت المنطقة النفطية الحساسة.
وبوتين أكد في الرياض، كما في أبوظبي، أن بلاده على استعداد للمساهمة بقوة في استقرار الشرق الأوسط، وفي مواجهة الإرهاب، ذلك أن الاضطراب في الأسواق النفطية يؤثر في روسيا بشكل مباشر، كما أن عدم الاستقرار الأمني يُصيب الأمن في روسيا، نظراً لقربها الجغرافي من المنطقة، وبسبب الترابط السياسي والديموغرافي الذي يجمعهما. وروسيا تحتفظ بعلاقات جيدة مع مجمل دول الشرق الأوسط، وتستطيع أن تُساعد في حل العديد من المشكلات القائمة، بما في ذلك القيام بدور الوسيط لإنهاء نزاعات ساخنة، كما في اليمن، وسوريا.
وإذا كانت أهداف الزيارة نجحت في إثبات الحضور الروسي، وفي ملء جزء من الفراغ الدولي القائم؛ إلا أن نتائجها العملية كانت واضحة، وهذه النتائج ستساهم في تحفيز الاقتصاد الروسي الذي يعاني ركوداً واضحاً في السنوات الأخيرة.
وفي هذا السياق، فإن العقود التجارية التي تمَّ توقيعها في الرياض بين الجانبين السعودي والروسي، والتي بلغت قيمتها أكثر من ثلاثة مليارات دولار، ستزيد حتماً من مستوى التبادل التجاري الحالي بين البلدين، الذي يقدّر ب5 مليارات دولار، ويتوقع أن تكون هذه الزيادة لمصلحة الجانب الروسي، خصوصاً لكون جزء كبير من التعاون المستقبلي سيتركز على التعاون في مجال تقنيات صناعة النفط والغاز، وفي مجال الفضاء. وهناك احتمالات واسعة لأن يتم تفعيل الاتفاق السابق الذي حصل في العام 2017، والذي يتضمَّن شراء منظومة صواريخ دفاعية جوية من طراز «إس 400» المتطورة، لكن يبدو أن حساسية اللحظة السياسية بعد وصول القوة الأمريكية الجديدة الى المملكة، صرفت الأنظار عن طرح هذا الملف علناً، رغم تأكيد الملك سلمان على أهمية التعاون مع روسيا لتحقيق الأمن والاستقرار، ومحاربة الإرهاب.
وفي السياق المتصل؛ فلا يمكن التقليل من أهمية العقود التي تمّ التوقيع عليها مع دولة الإمارات العربية المتحدة في أبوظبي، والتي شملت جوانب التعاون في مجال الطاقة النووية السلمية، وفي الأبحاث الفضائية، والتي بلغت قيمتها 1,4 مليار دولار. وقد أكد الرئيس بوتين في أبوظبي على أهمية استقرار منطقة الخليج لما لها من أثر في استقرار الاقتصاد العالمي، بما في ذلك الحفاظ على أسعار مقبولة للنفط والغاز. أما صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة؛ فقد وصف زيارة بوتين بالتاريخية، وهي ستساهم في تدعيم الاستقرار في المنطقة، والعالم.
ومهما يكُن من أمر؛ فإن زيارة الرئيس بوتين إلى الخليج العربي في هذا الوقت بالذات، لها دلالات سياسية واستراتيجية مهمة، وهي إن كانت مقررة قبل الإعلان عن الغزو التركي لجزء من الأراضي في شمال سوريا، ولكنها بطبيعة الحال ستؤثر في مستقبل الحل السلمي الذي يُعمل لتحقيقه في سوريا، كما ستساهم في الحد من الانفلاش الإيراني.