Advertise here

يستثمرون حتى في الكوارث... والطبيعة متآمرة أيضاً!

17 تشرين الأول 2019 06:00:00 - آخر تحديث: 17 تشرين الأول 2019 08:33:04

الفارق شاسع بين من يهبّ لنصرة أبناء بلده لحظة الكارثة والتهديد، وبين من يبحث في خروم الإبر عن كيفية الاستثمار في الكوارث. هناك صنف من الناس لا يعيش على غير هذه الكوارث. وإذا لم يتمكن من اختراعها، أو تأخر عن صناعتها ليأكل ويرتوي منها، ينتظر تلك التي تأتي وحيدة، فتزيد لسعة المقهور وهو خابط في زوايا حقده، بانتظار الانقضاض وانتهاز فرصة الاستثمار. هذا النوع من الناس يشبه إلى حدٍ بعيد "الحرائق". وعندما تشتعل النيران لا يمكن لها أن تتوقف بمفردها فتحتاج لمن يكافحها، وإذا لم يتوفر من يواجهها لإخمادها، تستعر أكثر، وتأكل الأخضر واليابس.

هذا الصنف من الناس هو كذلك. نار بَطون وكل ما تراه أمامها، تُعدّه لقمة سائغة وجب التهامها. يصحّ في وصف هؤلاء بأنهم على استعداد لأكل "أكفان الموتى"، ومصادرة "حمّى المرضى". إنهم من النرجسيين الإنفصاميين، مدار الكون يدور حولهم. يدّعون أنهم الأطهار الأتقياء، الأنقياء، المنقذون القديسون والأئمة. هم حتّى يريدون احتباس الأشجار في قارورة حقدهم وعنصريتهم وطائفيتهم. يحسبونها في عاهات تفكيرهم، وكهوف سوادهم، فيستمدون من رماد النيران غبار وجودهم. ذاك الغبار القابل للتناثر عند أول هبة ريح، أو قطرة مطر.

ولأن الحقد يقتل أصحابه، يعيش هؤلاء مع أحقادهم، محاولين إطالة بقائهم بمقتل الآخرين، لا يهم مقتل بشر أو شجر. هم لا يقيمون على غير الركام، فيفرحون كذلك لدمار الحجر. إنهم كعنقاء الرماد، ولا يظهرون إلا عند الحرائق. محضرهم لا يكون خيّراً. إنهم كالذين يدمرون ويحرقون ومن ثم يريدون بيع الجثث والرماد. كل ما لديهم قابل للإستثمار، ضميرهم وكرامتهم، معروضة دوماً في أسواق نخاسة من أي نوع كانت سياسية، طائفية، أم مذهبية.

في الوقت الذي كانت فيه الناس تلجأ فيه إلى التكافل والتضامن بحثاً عن مأمن، وعن إخمادٍ لنيران مشتعلة، كان بعض الحاقدين يعملون على إشعال نيرانٍ من نوع آخر. نيران طائفية ومناطقية. يقف أحدهم وليس فيه من العون شيء، محرّضاً حتى على الطبيعة، وسرعة الرياح، تلك المؤامرة الكونية التي يدّعون المظلومية من جرائها منذ سنوات، تكاد تتحول بالنسبة إليه إلى مؤامرة إلهية، أو مؤامرة الطبيعة ضد "الأخيار المنتجبين" متسائلاً عن سبب حصول الحرائق في مناطق معيّنة. قد يُبرّر لهذا الرجل ما يقول طالما الحقد أعمى، فلا يرى غير ما يعنيه، وفي ذلك عودة إلى الرطانة التي تتحكم بتفكير هذا النوع من البشر، والجماعة السياسية التي يمثّلها الرجل. فهم لا يرون في لبنان سوى المناطق التي ينتمون إليها، أو لا يرون في المناطق إلا صناديق اقتراع، حيث لا قيمة فيها بالنسبة إليهم لا لإنسانٍ ولا لكيان أو طبيعة أو مساكن.

ولكن هذا النوع من الناس لا يستحق التعليق، لأنه من المهووسين بالموت الذين لا يستحقون هدية الحياة، ولا يقيمون أي اعتبار لتعاضد، أو تضامن بين الناس، فيلجأون إلى زرع الشقاق باعتماد النفاق. وفي هؤلاء يصحّ القول:" إنه كلما أحاطت بنا المصائب جعلتهم تافهين أكثر. تخنق فيهم "الشخص" لتولد شخصانيتهم، فيهاجمون بحثاً عن مصلحة، وبهدف التلذذ باستشعار قوة حقدهم. داخل هؤلاء شيطان أو شياطين، هي التي توجه شؤونهم في الحياة.