Advertise here

سورية التي كانت لن تعود...

09 كانون الثاني 2019 14:10:14

من المتوقع أن يبدأ وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو اليوم جولة عربية تشمل عواصم الدول المشاركة في محنة سورية، سلباً، أو إيجاباً. وتأتي هذه الزيارة على مستواها العالي في الإدارة الأميركية بعد القرار المفاجئ الذي أعلنه الرئيس دونالد ترامب بالإنسحاب الكامل والسريع من سورية.

وفي الوقت عينه يجري ترتيب جولة لمستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون ورئيس الأركان جون دونفور والمسؤول عن الملف السوري في الإدارة الأميركية جيمس جيفري، وسوف تشمل جولة هذه الكتلة الديبلوماسية العسكرية تركيا وإسرائيل، ودولاً أخرى في المنطقة غير معلنة أسماؤها.

هذه المبادرة الأميركية بشقيها السياسي والعسكري إستنزفت الدول المشاركة في حرب سورية، وفي طليعتها روسيا وتركيا، وإسرائيل، فضلاً عن المنظمات المقاتلة بإسم الشعب السوري، وقد تعددت اسماؤها وألقابها، بعضها ناضل، وقاوم، وإستشهد، أو وقع في الاسر، وبعض آخر راهن وساوم، وتخفى، والنتيجة: سورية التي كانت لن تعود، وسورية الآتية في عالم الغيب، زمنها، ورجالها، وقادتها، وشعبها، ونظامها، الذي كان وما يزال، سبب ويلاتها.

حين سقط النظام الشيوعي في الإتحاد السوفياتي وفي دول أوروبا الشرقية التي كانت تنتمي إلى ما كان يسمى "حلف وارسو" تنسم الشعب السوري نكهة الأمل بالتغيير، وإن بالحد الممكن والمعقول، لكن النظام السوري كان قد أعاد النظر في معدلات الحرية والرجاء بالمستقبل، وزاد عدد السجون، وشدد العقوبات على محاولات المس بهيبة النظام.

ولم يطل الزمن حتى وقعت مأساة الشاب التونسي (محمد البوعزيزي) الفقير المعدم الذي كان يعتاش هو وأمه من عربة مخلعة يجرها بما عليها من فواكه المواسم، وفي ذلك اليوم (تشرين الثاني من العام 2010) عوقب (البوعزيزي) بمحضر حجز عربته المخلعة لأنه لم يسدد الرسم البلدي عليها، فكان أن سكب الكاز على ملابسه الرثة، ثم أشعل فيها النار بعود كبريت، وفارق الحياة.

بعد يومين من شهادة ذلك الشاب التونسي الذي تناقلت مأساته صحف العالم بالصور، والتفاصيل، خرج سرب من فتيان وفتيات متوسطة مدينة "درعا" في جنوب سورية وراحوا يكتبون على جدران الشوراع تحية إلى شهيد تونس، ودعوة إلى إنتفاضة مدنية تنقل سورية إلى عصر الحرية والديموقراطية والإنماء والتقدم، وكانت لفلسطين حصتها من تلك الكتابات.

لكن، في حين كان الشعب التونسي يشيّع شهيده البوعزيزي، ويحوّل جنازته ثورة "بنت ساعتها" فتعم جميع أنحاء تونس، وترغم رئيس الجمهورية "زين العابدين بن علي" على الاستقالة ومغادرة البلاد فوراً، كان النظام السوري يشغل قوافل دباباته، وطائراته، لقمع إنتفاضة طلاب مدينة "درعا" التي تحولت ثورة دخلت عامها التاسع.

وها إن سورية قد تشتتت، شعباً، وثورة، وأحزاباً، وقيادات، مدنية، وعسكرية، وقد عم الخراب والدمار المدن والأرياف، ولوائح الشهداء، والضحايا، والمفقودين، بمئات الالوف، التي تتوالد وتذوب في مدن ومناطق، بلا عناوين.

وفي الوقت عينه تختلط، وتندمج، مئات آلاف العائلات السورية في مجتمعات الغرب الأوروبي والأميركي، عدا مئات الآلاف في العالم العربي وخصوصاً في لبنان حيث الولادات السورية المسجلة تقارب الـ مئتي ألف، ما عدا الولادات المتناثرة في أماكن مختلفة بلا أرقام ولا عناوين.

هذه الـ"سورية" التي تدخل سنتها التاسعة في مسار النار والدم والخراب والشتات، إلى أين تمضي، وعلى أي حال، وعلى أي كيان، ونظام سوف تستقر؟

سؤال صعب جوابه، حتى على القادة الكبار الذين ينخرطون في حروبها.. ولعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يملك الجواب!.

لكن سورية التي كانت لن تعود...

ويبقى تساؤل يحير البسطاء والسذج: كيف إستطاعت جحافل المنظمات المدمرة أن تتقاطر إلى الأراضي السورية عبر الحدود البرية والبحرية بسياراتها المصفحة، وبأسلحتها وعتادها وقياداتها وغرف عملياتها، ولم تصادف من يسألها من أين، وإلى أين، ولماذا؟!

وحالياً، في مطلع السنة التاسعة من الحرب في سورية، وعليها، هناك من يتساءل: إلى أين تنسحب الجحافل التي أدت خدمتها "الجهادية" بقافلاتها المنظمة، مشيّعة بمراسم الوداع؟!

ألا تعرفون حكايات عن "الشيخ زنكي"؟

...إنه الآن مجدداً في حلب!.