Advertise here

جذور الانتفاضة العراقية

11 تشرين الأول 2019 17:40:00 - آخر تحديث: 20 تموز 2020 16:24:41

شعارات «بغداد حرة حرة.. إيران بَرّة بَرّة» و«إخوان سنة وشيعة وهذا الوطن ما نبيعه» التي أطلقها المتظاهرون تؤكد جنوحهم نحو الوطنية من دون تفرقة طائفية أو مذهبية.
التظاهرات التي جرت في أغلبية المدن العراقية، فرضت نفسها فكانت الحدث الإقليمي الأبرز في الأيام الأخيرة، وقد تحوَّلت الى انتفاضة شاركت فيها أغلبية المكونات العراقية. وبدا أن لهذه الانتفاضة جذوراً متعددة، نمت في بيئة حاضنة، وهذه البيئة الحاضنة تخاف على مستقبلها من الذوبان في حضن الدول الإقليمية الكبرى.
وتبين أن هذه الجذور يعود البعض منها للشكوك القديمة التي رافقت الغزو الأمريكي في العام 2003، بحيث إن مجموعات كبيرة من العراقيين لم تقتنع بالأسباب التي أدت إلى غزو القوات الأمريكية، تحت ذريعة أسلحة الدمار الشامل. ويرى عراقيون آخرون أن هذه الحجة لم تنطل على الكثيرين، ومنهم الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك، والمستشار الألماني آنذاك، شرويدر.
وهناك بعض المحللين السياسيين داخل العراق، وخارجه؛ اعتبروا أن القضاء على نظام صدام حسين هو بمثابة الخدمة الاستراتيجية التي تمّ تقديمها، بطريقة غير مباشرة، لإيران، بصرف النظر عن التجاوزات التي ارتكبها النظام، وخطيئته القاتلة في الاعتداء على الكويت. وقد استفادت «إسرائيل» أيضاً من الفوضى في العراق، لأنها تخلّصت من سند استراتيجي للقوى العربية التي تواجه أطماعها.
الشعارات التي رُفعت خلال التظاهرات العراقية الحاشدة، والعصبية التي تصرفت بموجبها بعض القوى المسلحة ضد المدنيين؛ تدلّ على أن ناشطي الانتفاضة لديهم قرارات حاسمة، لتحقيق أكثر من هدف، وأن ما بعد التظاهرات الشعبية، ليس كما قبلها. ويمكن تحديد جذور عدة، أثرت في تأجيج المشاعر الشعبية، ودفعت الناس للنزول إلى الشارع، لعلَّ أهمها:
أولاً: تنامي منظومة الفساد التي تجاوزت كل الحدود، رغم الوعود المتكررة بالقضاء عليها. وهناك معلومات متداولة عن ضياع ما يزيد على 450 مليار دولار من الأموال العامة المنهوبة منذ العام 2003، كما أن أرصدة بعض القيادات الحالية، والسابقة، وأصدقائهم من خارج العراق كبيرة جداً في المصارف الأجنبية، على ما أعلن أكثر من مسؤول في الإدارة الأمريكية.
COMMERCIAL BREAK
TAP TO ENGAGE
ثانياً: يرغب العراقيون في الخروج من حالة اليأس والفقر المُدقع التي تعانيها أغلبية الشباب، ومن البطالة المُستشرية، ومن حالة عدم توافر الخدمات الأساسية من المياه والكهرباء، كما من البيروقراطية الواسعة الموجودة في الدوائر الحكومية التي تساهم في تعميم الزبائنية، والفساد. ويعاني المصابون والجرحى من جراء الحروب المتكررة من قساوة العيش، وأغلبيتهم فقدوا المُعيل. والعراق هو البلد الأول في العالم الذي يحوي مثل هؤلاء المنكوبين قياساً بعدد السكان.
ثالثاً: من أهم العوامل التي بدت أنها تُحرّك الشارع العراقي؛ الشعور بالمهانة من التدخلات الأجنبية - لاسيما الإيرانية والأمريكية - وتغييب العروبة الجامعة عن المفاصل الأساسية في حياة العراقيين، وهذا التغييب يترافق مع تقسيمات غريبة تستخدمها القوى الأجنبية، ومنها الحديث عن مكونات متعددة للشعب العراقي، بينما في الحقيقة؛ أن الشعب العراقي مؤلف من مكون عربي واحد (سني وشيعي ومسيحي)، وهم على صلات تاريخية مع الأكراد الذين تعرضوا لمظالم تاريخية.
وكان واضحاً من هتافات المتظاهرين النزوع نحو الحرية التي غلبت على أصوات الشباب، خصوصاً شعار «بغداد حرة حرة.. إيران بَرّة بَرّة»، وفي شعار «إخوان سنة وشيعة وهذا الوطن ما نبيعه». وما يؤكد هذا الجنوح نحو الوطنية من دون تفرقة طائفية ومذهبية؛ هو توزُّع عدد الضحايا على المدن، بحيث سقط العدد الأكبر منهم في مدينة الناصرية الجنوبية (18)، وفي بغداد (12).
والدعوات التي أطلقها رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، ورئيس الجمهورية برهم صالح، ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي؛ لا يبدو أنها فعلت فعلها بين المتظاهرين، وهؤلاء يترقبون نتائج ملموسة لتنفيذ خطة مكافحة الفساد، ولا يريدون سماع التصريحات التي لم يتحقق منها شيء في الماضي.
ولا يبدو أن الغضب تجاه التدخلات الإيرانية يمكن أن يستكين بسهولة من خلال استخدام نفوذ رجال الدين، ذلك أن هؤلاء ممتعضين أكثر من غيرهم من حال البؤس التي تعيشها أغلبية فئات الشعب العراقي، خصوصاً أن 90% من المواد الغذائية التي يستهلكها العراقيون تأتي من إيران، بينما الإنتاج العراقي يعاني الضعف، والكساد.