Advertise here

الحرية أكبر منهم / بقلم غازي العريضي

07 تشرين الأول 2019 08:25:00 - آخر تحديث: 07 تشرين الأول 2019 10:25:12

لا يكون نجاح في الدفاع عن فكرة أو رأي أو قضية بالشتيمة أو التخوين أو التشهير الشخصي أو الصراخ أو الاستقواء بسلطة. الحياة أدوار. وفي كل دور لا يستطيع أحد أن يدّعي أنه يحتكر حرية الشتم أو التحدي أو الصراخ أو الشتيمة. كل واحد قادر على ذلك  ومن لا يريد فعله مباشرة فهو قادر على استخدام واستئجار من هو على استعداد لفعل أي شيئ !! الإمتياز للسياسي، وفي السياسة هو أن يعرف المرء كيف يدافع عن فكرته وقضيته بالمنطق والحجة والعقل والتماسك والمتابعة الجدية. اللهم إذا كانت قضيته محقة. وإذا كان مقتنعاً بها، وحرّ الضمير، وقادراَ على حملها !! 

اليوم أنت في السلطة وغداً يأتي غيرك. الميزة هي أن تكون أنت أنت حيث تكون في السلطة أو في المعارضة.لا تستطيع أن تقدم نفسك للناس، كل الناس، حريصاً على الحرية والديموقراطية، وحق التظاهر والتعبير عن رأي، وتهدّد بالشارع وتلجأ إليه، ثم إذا أصبحت في السلطة وجاء من ينتقدك ويمارس هذا الحق، ويتمسك بالحرص ذاته يصبح مخرباً للاقتصاد وللأمن والاستقرار. ولا تستطيع أن تشهّر بـ "المقامات" "والرؤساء" و"الإعلام"و "الإعلاميين" وتتحدث من "الزنار وبالنازل" وعندما تصبح في السلطة ترفض أن يتناول أحد بالنقد شخصك "المسؤول" فيما مباح تناول المسؤولين الآخرين!!

لا. لا تستقيم سلطة. ولا تكون حرية ولا تكون ديموقراطية ولا يكون في مثل هذه الحالة قانون. 

الذين يستهدفون الحرية اليوم، ويطالبون بمحاكمة أصحاب الرأي، ويعتقلونهم وينبشون المواد القانونية التي يمكن الاستناد إليها لمحاكمة من ينال من "المقامات" ومن هيبة "الدولة المالية" ومكانتها ويتناسون أن "ربعهم" شهّر بنائبات وإعلاميات ومقامات وقال كلاماً مهيناً متجاوزاً كل الحدود الأخلاقية والأدبية!!ّ وأن ثمة بينهم من أطلق تصريحات هددت السلم الأهلي"، وخاطب رئيس المجلس النيابي منادياً إياه بـ "البلطج"، وصنّف فريقاً من اللبنانيين بـ "الزعران" ووزّع شهادات "بالآدمية " والوطنية وحصرها بفريق متهماً كل الآخرين بكل ما يعاكس هاتين الصفتين، فمن حاسبهم؟؟ من طبق القانون عليهم؟؟ ها هو رئيس لجنة الاتصالات يتهم وزراء بالفضائح في قطاع الاتصالات وغيره اتهم وزراء آخرين بفضائح في الكهرباء وتبنّى مسؤولون من هنا وهناك المعلومات، ورفض كل المعنيين الذهاب الى القضاء. ففي أي دولة وعن أي وقضاء يتحدث المسؤولون؟؟ عن أي قانون؟؟ عن أي ذات؟؟ ممنوع المس بـ"الذوات" الأكابر ومسموح الاعتداء على لقمة عيش الناس يومياً بالفساد والهدر والسرقة وروائح النفايات وأمراضها، والحرمان من التنمية، ومن الاعتراف بنجاحهم في امتحانات مجلس الخدمة المدنية و و و .....؟؟

لا. ليس الإعلام من يتحمل المسؤولية. وهذا الكلام لا أقوله اليوم. كنت أقوله قبل أن أكون وزيراً للإعلام، وعندما تحملت المسؤولية مرتين في هذا المجال  وبعدها، ومع كل الملاحظات التي يمكن أن تطرح على الممارسة الإعلامية في لبنان فإن المشكلة سياسية. والمسؤولية سياسية ويتحملها المسؤولون السياسيون. عندما يمارسون الاستنساب والحمايات لكل من يقف الى جانبهم ويتحاملون على الآخرين، وتضيق صدورهم بنقد الآخرين ويحاولون اللجوء الى كم أفواههم أو التضييق عليهم بأساليب مختلفة، لا تكون دولة ولا يكون قانون ولا يكون مسؤولون. بل، رجال سلطة بكل ما للكلمة من معنى. والمشكلة الكبرى أنهم لا يتعلمون أن الحرية أكبر منهم. والحرية هي لبنان. الإعتداء عليها اعتداء على لبنان بكل ما للكلمة من معنى. على "لبنان الكبير" الذين أطلقوا احتفالية الذكرى المئوية الأولى لقيامه والذي "لن يقوم له قائم" على أيديهم أن إستمروا في هذه السياسة العبثية الخطيرة. 

تبقى ملاحظة: إذا كان الإعلاميون إعلاميين وليسوا مثل كثيرين من العاملين في السياسة، وليسوا سياسيين، وإذا كانوا أحراراً ومهنيين ينبغي أن يكونوا دائماً كلمة واحدة دفاعاً عن الحرية إذا استهدفت من أي موقع وفي أي موقع كان!!

هذه هي المسؤولية. هذه هي الأمانة. ثمة تلازم تام بين الحرية والإعلام ولبنان. فلنكن على مبدأ واحد وكلمة واحدة كي لا يستفرد الإعلام والإعلاميون وأصحاب الرأي والكلمة الحرة بـ"المفرق".