Advertise here

بعد يوم بيروت الطويل... هل لا يزال لبنان بمنأى عن الدائرة المشتعلة؟

30 أيلول 2019 07:37:24

لم يعد لبنان بمنأى عن الصراعات الدائرة في المنطقة. نجح لبنان نسبياً طوال السنوات الماضية في إبعاد نفسه عن الحرائق المشتعلة حوله. حتى في لحظات الإنقسام السياسي والخلاف التي نظّم بمنطق ربط النزاع، بقيت البلاد قادرة على تسيير أمورها، اما اليوم فإن الأمور تنحدر نحو الأسوأ. جملة معطيات تشتبك ببعضها البعض، فسعر الليرة آخذ بالتراجع، في واقع يحاكي الوضع السوري والعراقي على الصعيد الإقتصادي، والفساد. 

الصراع السياسي المغلّف بالخلافات الطائفية والمذهبية، يتقدّم على كل ما عداه من عناوين تهمّ المواطنين، وكأن المقصود هو إلهاء الناس بهذه الشعارات الطائفية والمذهبية التي تحاكي الغرائز، لتنسيهم مشاكلهم وهمومهم ولتنسيهم جوعهم واحتياجاتهم، فيصبح أي استقطاب هو استقطاب طائفي ومذهبي على قاعدة "حرب الوجود." 

ما يجري يتحمّل مسؤوليته كل القوى السياسية، التي تبحث خلف مراكمة "إنجازاتها" على حساب الجميع، وادعاء الإنتصارات ومنطق القوة، في الطائفة وفي الشارع والحي، على حساب مناعة الوطن وترهله. فشتان بين واقع اليوم، وواقع الحركات المطلبية والإحتجاجية والنقابية والعمالية التي سادت في لبنان في الستينيات والسبعينيات والتي كانت محركاً أساسياً لدورة السياسة والإقتصاد في البلاد. أما اليوم، فالجميع يحتكم للغة الغرائز.

ما شهدته بيروت الأحد، لم يكن ليقارن بالثورة الشعبية، على الرغم من أحقية الإحتجاجات، كان جزءاً من أجزاء الصراع الكبير، الذي يشهده لبنان المتجاذب بين محاور إقليمية متعددة، فيشمل هذا الصراع، صراعات سياسية بين مختلف القوى، وصراعات في كل مؤسسات الدولة وعليها. وبذلك أراد البعض تحويل ساحات بيروت المطلبية إلى غايات سياسية في الصراع على المكاسب المتنازع عليها، والتي تستخدم فيها كل أساليب الأسلحة، في السياسة، الإقتصاد، والمال، وكل ما يعنى بشؤون اللبنانية، فقط لأجل تحقيق أهداف سياسية.

ما يحتاجه لبنان اليوم، هو وقوف اللبنانيين موقفاً واحداً موحداً متراصاً إلى جانب بعضهم البعض دفاعاً عن حقوقهم، ورفضاً لكل مشاريع الهدر والفساد والتحاصص والتقاسم، ووقف هذا المسار المستفحل منذ سنوات ويتم توفير الأغطية الطائفية والمذهبية لتمريره، فيتحول الناس ومصالحهم إلى متاريس يقف خلفها السياسيون في مساعيهم لتحقيق "صفقاتهم" وإبرامها. هذا النوع من التحركات، حكماً يجب أن يرتكز على مصلحة اللبنانيين وحقهم بالعيش الكريم بعيداً عن أي اصطفافات سياسية أو مذهبية.