Advertise here

الأمن القومي العربي

27 أيلول 2019 08:54:58

مجموعة من القوى الدولية والإقليمية تُهدِّد الأمن القومي العربي، من خلال التدخلات المباشرة، ومن خلال الاعتداءات بالواسطة على البلدان العربية.


الصورة الشائعة في الأيام الصعبة التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط؛ أن وضع أغلبية الدول العربية مُتلاشٍ، وهناك هجمة إقليمية ودولية للاستحواذ عليها كمناطق نفوذ، والانقضاض على الدول العربية الأخرى التي ما زالت تقف على رجليها. وأن حالة العرب اليوم تُشبه حالة الإمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى. أي بمثابة رجل العصر المريض الذي يتسابق المحيطون به لقطع الهواء عنه، استعجالاً لموته، تمهيداً لوراثته.

بالفعل، إن الأمن القومي العربي يتعرَّض لتهديدات كبيرة، ولم يسبق أن تجرأ الأعداء والطامعون بممارسة الوقاحة المُبالغ فيها كما اليوم. وهناك توزيع أدوار غير مُعلن بين القوى المحيطة بالجغرافيا العربية، و«إسرائيل» لدكّ الحصون العربية، وتكسير كل المحظورات التي ما زالت قائمة، والتي تحيط بالهيبة العربية التي كانت يوماً مُصانة الجانب أكثر مما هي عليه الحال اليوم.

ويمكن ذكر واقعة تهديدات رئيس وزراء «إسرائيل» بنيامين نتنياهو بالوعد بضمّ بعض أجزاء الضفة الغربية وغور الأردن، كذلك العدوان السافر على أهم محطات النفط في شرق المملكة العربية السعودية، وما يدور من مؤامرات تستهدف شمال سوريا؛ كمثال على هذا التطاول الاستراتيجي الذي يستهدف الأمن القومي العربي.

ولا يخفى على أحد؛ أن التجاوزات التي تحصل في منطقة الهلال الخصيب العربي، فاقت كل تصوّر، وبدت المشهدية مأساوية إلى الحدود التي تستوجِب وقفة تاريخية للحفاظ على ما تبقى من الحضور العربي، ذلك أن المعطيات المتوافرة من أرض الواقع في العراق وفي سوريا وفي لبنان؛ تؤكد وجود احتواء سياسي وأمني وعقائدي، يشكِّل خطورة متناهية على الرساخة القومية العربية في تلك البلدان، واستبدال التراث العربي بمقاربات فكرية غريبة، تستندُ إلى «مخدرات سياسية» تنشُرُها أذرع دول إقليمية؛ وتُضفي نعاساً وطنية وقومياً يتسلَّل من ورائه الطامعون، الذين يعتقدون أن الفرصة مُهيأة «لغزوة» تحت هذه الشعارات. وبعض ما يحصل في هذا السياق؛ يذكرنا بمنشورات القائد الفرنسي نابليون بونابرت التي وزعها في مدينة الإسكندرية المصرية عام 1899، وتقول «إن الجيوش الفرنسية قادمة إلى مصر لمساندة الإسلام والحفاظ على تاريخ مصر العربي الذي يُهدده الإنجليز».

مجموعة من القوى الدولية والإقليمية تُهدِّد الأمن القومي العربي، من خلال التدخلات المباشرة، ومن خلال الاعتداءات بالواسطة على البلدان العربية. لقد تجاوز الانفلات الإيراني كل حدود، وتأكيد السلطات السعودية على أن الصواريخ التي استهدفت منشآت أرامكو صناعة إيرانية؛ يكشف مدى خطورة الاستباحة الاستراتيجية التي تمارسها سلطات طهران، اعتقاداً منها أنها تملك قدرة غير محدودة على إطلاق الادعاءات المضلِّلة وتسويق هذه الادعاءات، والقول إن مصدر العدوان من اليمن، بينما الوقائع أثبتت غير ذلك. كما أن مجرد التفكير باستهداف أهم مركز اقتصادي عربي على الإطلاق، فيه مبالغة في الاستخفاف، لا يمكن أن يمرَّ مرور الكرام، لأن مقومات الردع العربي، والقدرة على الرد ما زالت موجودة، علماً أن العرب عموماً يتجنبون إشعال الحروب التي تدمر مقدرات شعوب المنطقة، بما فيها إيران، ولا تستفيد منه إلا «إسرائيل» والمتربصون شراً بالعرب والمسلمين.

لقد أثارت التصريحات العدوانية «الإسرائيلية» الأخيرة، كما استهداف أرامكو؛ المشاعر العربية برمتها، وأنتجت أجواء من التضامن الشعبي العارم ضد العدوان. ومَن يستخفّ بهذه التعبئة العربية، لا يفقه بالحسابات الدقيقة لمصادر القوة الاستراتيجية التي تستند بالدرجة الأولى إلى الإرادة الشعبية. والعرب ما زالوا قادرين على إنتاج مقاومة استنهاضية جديدة، تُخرجهم من بعض المستنقعات الآسنة التي أوقعتهم بها بعض الحسابات الذاتية الضيقة، وقد يكون نسج تحالفات عربية جديدة مع قوى دولية وإقليمية فاعلة؛ أحد العوامل التي ما زالت متوافرة، وهي كفيلة بأن تُعيد التوازنات الاستراتيجية في المنطقة، والتي اعتقد البعض أنها انتهت إلى غير رجعة.

يؤكد مسؤولون مصريون، ومسؤولون من دول عربية أخرى متعددة - خصوصاً من المشرق العربي والخليج - أن اعتقاد بعض المسؤولين في «إسرائيل» وفي إيران وتركيا بأنهم قادرون على التحكّم بمفاصل اللعبة السياسية والأمنية في المنطقة بكاملها، هو اعتقاد خاطئ. والعرب لن يسمحوا بأن يكونوا أسواقاً استهلاكية للدول الأخرى، ويتعاطون في الشؤون المحلية فقط، بينما السيادة على قرار المنطقة في يد قوى أخرى.

إن تجاهل بعض الدول الكبرى لاعتبارات الأمن القومي العربي، والابتزاز المالي الذي تمارسه دول أخرى؛ لا يُعطي نتائج حاسمة في سياق المعركة السياسية والأمنية القائمة. ومقومات استنهاض المقاومة السياسية والدفاعية العربية مازالت متوافرة.