Advertise here

ارحمونا وارحموا البلد

19 أيلول 2019 11:15:48

عندما طرح المعلم الشهيد كمال جنبلاط البرنامج المرحلي للاصلاح السياسي للحركة الوطنية اللبنانية، بعد الاحداث الاليمة في ما عرف بحرب السنتين (75 - 76)  كان ابرز الاصلاحات هي العلمانية، اي فصل الدين عن الدولة، وليس الغاء الاديان او حظرها كما في ورد في الفكر الماركسي بل الغاء الطائفية السياسية وعدم تدخل رجال الدين في السياسة، وهذا ما حدث في اوروبا، خاصة بعد الثورة الفرنسية. ما جعل هذه الدول حضارية ومتطورة ومتقدمة، لان رجال الدين آنذاك افسدوا الدولة والمجتمع تماما كما يحصل اليوم في عالمنا العربي. 

هل هناك اكثر من هذا الانهيار العربي والاسلامي بعد ان وصلنا الى الحضيض والدليل الاكبر ما نعاني منه نحن في لبنان هذا البلد الصغير الذي كان يمكن ان نجعله جنة على الارض لو قُدرا لنا ذلك، لكن هذا النظام وهذه التركيبة العجائبية جعلته بلد  الازمات، فلا امل في بناء دولة او نظام في المدى المنظور لان الطائفية السياسية والمحاصصة المذهبية ستجعله  على الدوام بلدا غارقا في المشاكل. 

 لاحظوا هذا الستاتيكو المرسوم، كل يوم ازمة سياسية، اصلها مذهبي او طائفي، فهل الاستعمار الفرنسي كان يقصد ذلك بعد ان وزع المناصب الكبرى على الطوائف والمذاهب لتبقى على الدوام في حالة استنفار على بعضها البعض او ليجنب البلد المشاكل؟ لا نعلم لماذا تم تركيب البلد على هذا النحو، النظام والدستور الفرنسي تغير حتى الآن خمس مرات ونحن بقينا على العهد مع بعض "الرتوش" ولهذا سنبقى كما يقول المثل "دبّي واعصري" حتى يأتي الفرج .

مع الاستقلال كانت اول الازمات حول توزيع المناصب على الطوائف في الدولة، ثم جاءت الازمات المتعاقبة حتى هذه الساعة. 

 من عهد بشارة الخوري الى عهد كميل شمعون حتى ثورة 58 الى الاحداث مع الفلسطينيين الى الحرب الاهلية من 73 الى 76 الى دخول الجيش السوري والاجتياح الاسرائيلي الاول والثاني وحرب الجبل واتفاق الطائف الى اغتيال الرئيس الحريري، كلها مشاكل وحروب طائفية ومذهبية بأمتياز. نختلف فيتعطّل البلد من اجل تعيين حاجب او نواطير احراش كي لا نقول تشكيل حكومة او تعيين مدراء عامين او اجهزة امنية او قضائية، فكلها تخضع الى الاعتبار المذهبي، حتى الخيانة والعمالة صارت هي الاخرى تخضع لنفس الاعتبار. الازمات الاقتصادية والاجتماعية والمشاكل والحلول ايضا اعتبارات مذهبية. لقد خُرب البلد ولن يعود من جراء هذه الآفة والتركيبة الطائفية والمذهبية والمحاصصة كأننا قبائل وعشائر متناحرة كان ينقصنا الغزوات من اجل كسب الغنائم التي "تحصل دون غزوات وحملات عسكرية" لذلك ارحمونا وارحموا البلد، فنحن ذاهبون الى الانهيار الكبير في ظل هذا الصراع الطائفي والمذهبي المقيت والخطاب المتشنج، وكأننا لم نتعلم من الماضي الاليم حيث دفعنا ومازلنا ندفع ثمن هذه الاخطاء والتجارب المرّة. 

فالى متى والى اين ذاهبون بالوطن؟ الامل مفقود حتى اشعار آخر. الاحباط اصاب غالبية اللبنانيين، الى ان يحين الفرج الذي يبدو انه صعب المنال في ظل هذا النظام المذهبي وهذه التركيبة وما دام الانتماء للطوائف قبل الانتماء الى الوطن.