Advertise here

سابقة خطيرة بضرب منشآت النفط... وهذا ما كشفه دبلوماسي عربي عبر "الأنبـاء"

18 أيلول 2019 08:35:37

قال جاسون بوردوف، مدير مركز سياسة الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا ومسؤول سابق في مجلس الأمن القومي: "إذا كنت ترغب في تعطيل الأسواق العالمية، فهذا هو ما تبحث عنه، أعمدة الدخان السوداء المتصاعدة من بقيق، الواقعة بالقرب من الخليج العربي شرق المملكة العربية السعودية، يمكنك أن تنظر من الفضاء لساعات طويلة كي تدرك مخاطر ذلك الدخان الأسود الناجم عن تلك الضربات الشرسة"، تلك الضربات التي أصابت أكثر من عشرة منشآت نفطية في خريص وأبيك، تعتبر أهم المنشآت لإمدادات النفط في العالم، فحقول خريص ثاني أكبر حقل نفطي في المملكة، يقع في أقصى الجنوب الغربي ولذلك دلالات أخرى.

المملكة العربية السعودية التي تعتبر أكبر مصدر للنفط في العالم. ويمثل إنتاجها من النفط حوالي خمسة في المائة من الاستهلاك العالمي، أوقف نحو 50% من إنتاج شركة "أرامكو"، نتيجة الاعتداء غير المسبوق على منشآتها في خريص وبقيق، أي ما يقارب ستة ملايين برميل يوميًا، تشكل أكثر من نصف إنتاج النفط السعودي اليومي، وقد سيستغرق الأمر أسابيع، وربما أشهر، لإصلاح المنشآت والعودة إلى الإنتاج الكامل، وفق ما يقول خبراء النفط.

الضربات الجوية على منشآت إمدادات النفط السعودية، والتي بدأت تتردد تداعياتها في أنحاء العالم، وسط مخاوف من أن يؤدي الهجوم إلى رد فعل عسكري أميركي ودولي، يعرض استقرار إمدادات الطاقة العالمية للخطر، ومخاوف من استمرار ارتفاع أسعار النفط  التي زادت تسعة عشر دولارًا للبرميل. ألا أن الهجوم الذي طاول قلب المملكة العربية السعودية يشكل سابقة خطيرة في الحرب المشتعلة في الخليج العربي على أكثر من نطاق وله تداعيات عالمية.

قال دبلوماسي عربي رفيع المستوى في اتصال مع "الانباء"، أن "الضربات الجوية على إمدادات النفط السعودية، وضعت المنطقة على صفيح مشتعل"، ورأى أن هذه الاعتداءات "هي أم كل التصعيد في منطقتنا"، وأوضح أنه منذ بدأت العقوبات الأميركية على تصدير النفط الإيراني أعلنت طهران، أنها ستعامل العالم بالمثل، وها هي بعد فشل اعتداءاتها على ناقلات النفط في خليج عدن من تحقيق أهدافها، وجهت ضرباتها الى إمدادات النفط السعودية، لتقول للعالم، "النفط مقابل النفط"، كما قالت لبريطانيا إثر توقيفها لناقلة النفط العملاقة في مضيق جبل طارق مطلع الشهر الفائت، "الناقلة مقابل الناقلة"، حيث أوقفت ناقلة نفط بريطانية في المياه الإقليمية.

الدبلوماسي العربي، رأى أن التراخي الدولي في التعامل مع إيران منذ اعتدائها على ناقلات النفط في خليج عدن، وعدم معاقبتها على إسقاط الطائرة الأميركية فوق المياه الدولية في بحر قزوين، أوصلها الى هذا التمادي وهذا الاستهتار بقوة الردع العالمي، واعتبر أن اعتداءات إيران على منشآت النفط التابعة لشركة أرامكو، التي أصبحت شركة مساهمة عالمية، منذ أن عرض الأمير محمد بن سلمان أسهمها في الأسواق العالمية، يشكل اعتداءَ على الاقتصاد العالمي، وليس اعتداءً على المملكة العربية السعودية فقط. 

 المملكة العربية السعودية التي تتريث في الرد على الاعتداءات التي طاولتها، كشفت أن الأسلحة التي تم استخدامها في الهجمات على منشآتها النفطية، إيرانية الصنع "حسبما أسفرت عنه التحقيقات الأولية" وشددت في بيان صادر عن وزارة خارجيتها، "على أن العمل جارٍ على التحقق من مصدر تلك الهجمات".
وجاء في البيان "إن الرياض ستقوم بدعوة خبراء دوليين ومن الأمم المتحدة للوقوف على الحقائق والمشاركة في التحقيقات، وستتخذ كل الإجراءات المناسبة في ضوء ما ستسفر عنه تلك التحقيقات، بما يكفل أمنها واستقرارها"، وأكدت قدرتها على الدفاع عن أراضيها وشعبها، و"الرد بقوة على تلك الاعتداءات".
واعتبر البيان أن "الاعتداء الجسيم الذي يهدد السلم والأمن والدوليين، موجّه بالدرجة الأولى إلى إمدادات الطاقة العالمية، وهو امتداد للأعمال العدوانية السابقة التي تعرضت لها محطات الضخ لشركة (أرامكو) السعودية باستخدام أسلحة إيرانية".

ودعا بيان الخارجية السعودية، "المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته وليس فقط إدانة مَن يقف وراء ذلك الاعتداء، بل التصدي بوضوح لهذه الأعمال الهمجية التي تمس عصب الاقتصاد العالمي".

الدبلوماسي العربي رأى في حديثه مع "الانبــاء" أن الهجمات الإيرانية، على المملكة العربية السعودية، ما كانت لتحصل لولا شعور إيران بتراخي الضغط الدولي، من خلال ما تم تسريبه من معلومات تجاه موافقة البيت الأبيض على مبادرة الرئيس الفرنسي، تأمين سيولة مالية لإيران مقابل تصدير أجزاء من مخزونها النفطي، وإمكانية عقد اجتماع بين الرئيسين الأميركي والإيراني خلال اعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، مروراً بإقالة جون بولتون مستشار الرئيس الأميركي ومسؤول الامن القومي، والذي يعتبر من أكثر الشخصيات المعادية لإيران، ويدعوا الى استخدام القوة في التعامل معها.

ورأى أن "الرياض تتريث في الرد وتحاول نقل المعركة من اعتبارها سعودية – إيرانية، إلى معركة أمن عالمي، ولذلك نرى الجميع يتهيب الموقف وينتظر نتائج التحقيقات التي أعلنت الرياض عنها، والتي ستحدد الجهة التي ثقف خلف الاعتداءات والمنطقة التي انطلقت منها، لتحديد سبل التعامل معها، فالرياض لا تريد الدخول في حرب استنزاف مع إيران، ولن تنجر الى مثل هذه الاعمال التي تريدها إيران، وتريدها بعض الجهات الأمنية وشركات الأسلحة في الولايات المتحدة الأميركية، فالحرب بالنسبة للرياض خسارة مهما كانت نتائجها، فيما هي بالنسبة لإيران هروب الى الأمام وخروج من الأزمات الداخلية، لكن الرياض معنية في الرد على تلك الهجمات من موقع الدفاع عن النفس، وبالتالي فإنها سوف تتعامل مع هذا الامر من موقع المسؤولية الدولية، تجاه حماية الاقتصاد العالمي، وأمام الرياض خيارات عديدة للرد والردع".

من جهة أخرى وفي سياق متصل، وضعت الهجمات العدائية على المواقع النفطية الاستراتيجية لشركة "آرامكو"، المملكة العربية السعودية أمام تحديات جيوستراتيجية مستقبلية، حيث بات الامر يتطلب الإجابة على عدد من الأسئلة المشروعة، لناحية قدرة المملكة على حماية نفسها، وحماية انتاجها النفطي من هجمات إيرانية جديدة، دون العودة إلى الدعم الأميركي، فالانكشاف العسكري السعودي أمام تلك الهجمات على مثل هذه المواقع المهمة، يدفع الباحث للسؤال عن مدى جدوى وفاعلية الاستثمارات العسكرية الضخمة التي وظفتها المملكة في جيشها، ومعظم هذه الاستثمارات أميركية الصنع أو غربية. في عام 2018، أنفقت المملكة العربية السعودية أكثر من سبعة وستين مليار دولار على نفقات الدفاع، احتلت المرتبة  الثالثة على مستوى العالم، بعد الولايات المتحدة والصين، وفقًا لمعهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام، لقد كانت أكبر مستورد للأسلحة في العالم بين عامي 2014 و 2018. أين قوة الردع الصاروخية الأميركية التي سمحت لها المملكة منذ أشهر قليلة إعادة استخدام أراضيها للمساعدة في الدفاع عن المملكة، والتي تدفع للولايات المتحدة الأميركية الأموال الطائلة مقابل تلك الحماية، والتي يتباها بها الرئيس دونالد ترامب أمام الاعلام.