Advertise here

بعد الصراع المذهبي على خلفية قضية الفاخوري... متى يخرج اللبنانيون من الخنادق؟

17 أيلول 2019 09:12:00 - آخر تحديث: 17 أيلول 2019 17:01:09

لا يحتاج المرء إلى كثير عناء لاستشراف ما ستصل إليه السياسة اللبنانية من انحدار واستعصاء. والإشكال الذي تفجر في الأيام القليلة الماضية على خلفية عودة العميل عامر الفاخوري، والذي تحول إلى صراع مذهبي وطائفي، يذكّر بصراعاتٍ لبنانية مديدة، ويؤكد أن لبنان لا يزال قابعاً في عقلية الحروب المتوارثة. فلا نية للخروج من هذه الخنادق بالنسبة إلى فئات واسعة من اللبنانيين. وهؤلاء لا قاسم مشترك معهم، لأنهم ينظرون إلى الآخرين بنظرة فوقية، تماماً كحال السنبلة الفارغة. وغالباً لا تصدر الأجسام الفارغة غير الضجيج.

الضجيج المثار في الأيام الماضية، أعاد اللبنانيين إلى حقباتٍ مأسوف عليها، ويصح فيها قول "تنذكر وما تنعاد". ولكن من لا يزال يحيا في غياهب التاريخ وزواياه الضيقة، لا يمكن إلا أن يبرز من خلال تذكّر ما لا يصح تذكّره، فيعمل وفق منطق خالف تعرف. وهذا بالتحديد ما ينطبق على حالة الجنون التي تجلّت في الهجوم على المقاومة الوطنية اللبنانية، وعلى المناضِلة سهى بشارة، ووصلت الهجومات إلى حدّ الهجوم على مكوّنات طائفية ومذهبية أساسية في هذا البلد. هذا بمعزلٍ عن الهجومات والإهانات التي تعرّضت لها حقبة تاريخية مجيدة في تاريخ لبنان، وأول عاصمةٍ عربية خضعت للإحتلال وحرّرت نفسها بنفسها.

وكأن الشتّامين لا يريدون لبيروت أن تتحرر . يريدونها فقط أن تبقى أسيرة حساباتهم، وعلاقاتهم التي توفر لهم مصالحهم، عدا عن ذلك فكل إلغاء مباح.  وهذا يدل على المشكلة الجوهرية لبنانياً، والتي تبقى في الانتقال من وضعيات إلى اخرى بدون استخلاص أي دروسٍ حقيقية، وبدون إجراء أي تغيير نوعي في طريقة التفكير، إنما يكون الانتقال شكلياً من "قوة لبنان في ضعفه" إلى معادلة توازن الردع والرعب بغضّ النظر عن إجراء أي تقييم حقيقي وجدّي لهذه المعادلات، وعدم وجود قناعةٍ كاملة فيها. أو مثل تحميل مسؤولية الحروب اللبنانية على أرضنا  إلى الآخرين، والتي تحتوي على قصر نظر وخروج عن السياق الواقعي، لأن الحروب التي شهدها لبنان بعد خروج منظمة التحرير الفلسطينية كانت أشرس وأعنف من تلك التي كانت سائدة في السابق. وكذلك بالنسبة إلى انتقال اللبنانيين في اتفاق الطائف إلى ما يسمونه لبنان ذو وجهٍ عربي، ما يعني الانتماء إلى العروبة. لكن هذا في الأساس والواقع أمر غير صحيح، لأن الهوية فيه ضائعة، ولكل جماعة فيه هويتها وانتماؤها.

 كلام البعض عن سهى بشارة، وهذا الهجوم المستعر، يدلّ على حالة صراعٍ فكري في لبنان، محكومٍ بعقلية ضيقة أفقها المصلحة فقط، وسلوك ذمّي، يستشعر ضعفه، ويحتاج إلى القوة التي يبنيها بأي طريقة توفّر له مصالحه بدون أي اعتبار لأي قيمة أخرى. كل هذه القيَم تُعتبر من التفاصيل، لأن ما يهم هو زعامة الزعيم المرتكزة على الخطاب العنصري والتعصّبي، وبلا أي معيار. وهي التي تحظى بغطاءٍ من قوى نافذة أخرى، وهذا يحيّد القضية عن جوهرها وأهميتها، ويسلخها عن مبدأيتها، بسبب العقلية الحزبية والمذهبية التي تريد مصادرة كل شيء، والتي تعتبر أن هذا النوع من الملفات من اختصاصها واحتكارها. وهذا يقود إلى التباس أساسي يحاولون طبعه بأنه على المرء إما أن يكون مع المقاومة، أو ضد المقاومة. بينما الخلاف لا يكون على هذه الفكرة، إنما في كيفية تسيير هذه الفكرة، وتجييرها سياسياً واستثمارياً. وهذا المسار الفكري والسياسي لا يؤدي إلّا إلى إنفجاراتٍ متوالية.