وجّه الكاتب والمفكر الفلسطيني سعيد نفاع مِن "الحركة التقدّمية للتواصل – درب المعلّم" كتابا إلى شيخ عقل الطائفة الدرزية في فلسطين المحتلة الشيخ موفق طريف، وهذا ما جاء فيه:

سماحة الشيخ المحترم

هذا التزامن ما بين صرخة أهل الجبل للإنقاذ وفرح أهل غزّة في وقف الحرب، فيه من العبر الكثير لمن يعتبر!

وصل إلى يديّ من مصدر موثوق في الجبل بيانٌ سيوجّه (حسب تاريخه) إلى حضرتك وإلى ممثّلي الأمم المتّحدة، صادر عن أهل المقرن الغربيّ (للقارئ: القرى ال36 غرب وشمال غرب الجبل المهجّرة)، يتوجّهون إليك فيه هكذا: "نحنُ، أهالي المقرن الغربي، نتوجه بهذا البيان إلى سماحة الشيخ موفق طريف، وإلى ممثلي منظمة الأمم المتحدة، وإلى جميع الجهات الرسمية والإنسانية المعنية، طالبين منكم النظر بعين العدل والإنصاف إلى معاناة أهالينا التي طال أمدها."

يصف البيان المعاناة التي تعصف بهم كالآتي: "لقد اضطر أهالي قرانا إلى النزوح عن أراضيهم وبيوتهم نتيجة الاعتداءات والحرائق وأعمال النهب والتدمير التي قامت بها المجموعات الإرهابية في شهر تموز لعام 2025، مما أدّى إلى فقدان المأوى ومصادر العيش، وتهجير مئات الأسر من بيوتها وأراضيها، ومنذ ذلك الحين يعيش الأهالي في مراكز إيواء مؤقتة تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة الكريمة ومع مرور الوقت، ازدادت المعاناة سوءاً بسبب ضيق المكان وسوء المرافق، وغياب الرعاية والخدمات الأساسية. واليوم، ومع اقتراب فصل الشتاء، تتفاقم الأزمة المعيشية أكثر، إذ لا قدرة للأهالي على تحمّل البرد والظروف القاسية داخل تلك المراكز.

الأخطر فيه؛ "ورغم توجّه الأهالي وممثليهم إلى الجهات المعنية في محافظة السويداء (للقارئ: من هي يا تُرى هذه الجهات؟!) أكثر من مرة، وتقديمهم المطالبات الرسمية والشكاوى والخطابات الخطية، إلا أن الجهات المعنية لم تُبدِ أي تجاوب فعليّ أو خطوات ملموسة نحو إيجاد حلّ يعيد الحقوق إلى أصحابها ويُنهي معاناة الناس المستمرة. كما تشهد المحافظة في الآونة الأخيرة تراجعًا في مظاهر الحماية والاستقرار، ما زاد من شعور الأهالي بالقلق، وعمّق الحاجة إلى وجود حلّ مستدام يضمن الأمن وعودة السكان إلى أراضيهم وقراهم بأمان. (حضرتك تعرف وأنا أعرف وغيرنا كُثر إنّ ما جاء في هذا البند هو فقط قمّة الجبل الجليدي).

يضيف البيان؛ "بناءً على ما سبق، يعلن أهالي المقرن الغربي عن بدء اعتصامٍ سلميٍ في منطقة دوّار العمران في محافظة السويداء بتاريخ 15/10/2025، تأكيدًا على مطالبهم المشروعة... إن اعتصامنا سيكون سلميًا بالكامل، ويأتي في إطار القانون والكرامة الوطنية والإنسانية، دون أي إخلال بالنظام أو تعدٍّ على أحد... ونحنُ إذ نرفع صوتنا هذا إلى سماحتكم وإلى المجتمع الدولي، نرجو أن تجدوا السبل الممكنة لدعم قضيتنا، والتوسط لدى الجهات المعنية لتحقيق هذا المطلب الإنساني والوطني العادل.".

سماحة الشيخ!

وصلني أيضًا مقابلة مع السيّد صالح طريف مع إحدى وسائل التواصل المحليّة في السويداء، يدعو فيها إلى الاحتكام إلى العقل وعدم رفع سقف الطلبات، ويحذّر من الأصوات المحرّضة من هنا، ويشير إلى الطريق العقلاني الذي يتّبعه الأكراد في التعامل مع النظام الجديد، ويدعو وإن بالرمز "أولي الأمر" في السويداء السير على نفس النهج. يسألني المرسل إن كان موقف السيّد صالح صادقًا، وممّا جاء في إجابتي:

"بدءًا أعتقد أن الرجل يقول هذا الكلام "صادقًا"... بعد جرمانا والأشرفيّة بدأ الشيخ يغيّر أطروحاته حين فهم أنّ المؤسّسة ممثّلة بنتانياهو ووزير دفاعه أطعماه وعودًا كاذبة ساهمت بانفجار أحداث السويداء يوم ال13 من تمّوز فسقط القناع نهائيّا عن وعود نتانياهو، ولم يتدخّل حينها ولا يوم المقتلة الكبرى، إلّا بعد أن كان "سبق السيف العذل" فجاء تدخّله نتيجة دخول آلاف الشباب إلى حظر بعد أن ذهبت كلّ "رجوات" الشيخ هباء، وتمّ فقط خوفًا من الهجوم على قرى سُنيّة محتلّة في المنطقة تخضع لحماية إسرائيل... إضافة يتبيّن أنّ الشيخ الهجري بدأ يلتف على الشيخ ويتواصل وينسّق مع شخصيّات أخرى (وربّما أكثر)؛ (...) ... هذه هي الشخصيّات (المضلّلة والمتاجِرة) التي يشير إليها صالح طريف في مقابلته المذكورة... هذا الموقف الأخير نابع ممّا جاء أعلاه وليس بسبب القصور في تنفيذ الوعود وفقط على مستوى "الدفاع" العسكري عن الدروز، وإنّما عدم القدرة على المساهمة في حلّ الضائقة الخانقة التي يعاني منها أهالي الجبل...".

سماحة الشيخ!

قرار مدّ يد العون الإغاثيّ للجبل عام 2012 والذي انطلق من مقام الخضر (ع) في كفر ياسيف، أسوة حينها بالأخوة السُّنة الذين أطلقوا حملات الدعم الإغاثيّ للمهجرين والنازحين السوريّين في المخيّمات في الأردن وتركيا، كان قرارًا إجماعيًّا مع تحفظّي حينها على العناوين كما يعرف حضرتك حقّ المعرفة. التطوّرات حتّمت لقاءات تشاوريّة أخرى على ضوء ما بدأ يرشح من "معلومات" عن وجهات الدعم والتدخّل الذي بدأ يتّجه أبعد من ذلك، ولعلّك تذكر اللقاء الخاص الذي دعوتَ إليه في مقام النبي شعيب (ع) والذي أشرتُ فيه إلى أنّ التدخّل بدأ يأخذ وجهات أخرى لا تصبّ في مصلحة أهالينا في الجبل، وحينها كان هجوم النُُصرة على الجبل في أوجِه في معركة "الثعلة" التي قدّمت إسرائيل فيها كلّ الدعم لجبهة النُُصرة لوجستيّا وعسكريّا. بعد هذا الاجتماع دخلت أنا السجن على خلفيّة مشروع التواصل، وللحقيقة والتاريخ أنّ في غالبيّة محطّاته كان حضرتك جزءًا من المشهد، خلالها وبعدها لم أعُد أدعى لاجتماعات "قيادات" الطائفة فتابعت الأمور عن بُعد ومن خلال متابعة لصيقة، وتبيّن أن التدّخلات ذهبت كثيرًا أبعد ممّا خُطّط لها على الأقل علنًا، حينها لم يساورني شكّ ولم يساورني بعدها ولا اليوم أدنى شكّ أنّها ومنذ البداية وخلالها كانت يد المؤسّسة فيها طويلة، بغضّ النظر عن نوايا حضرتك. 

وحضرتك تعرف أنّ فعاليّات أخرى في الطائفة بدأت، على ضوء هذه التدخّلات وشكلها، تفتح قنوات تدخّل أخرى ومع فعاليّات هنالك من نفس "نوعيّتها" لا بل يبدو أنّها تخطّتك وبان دورها المسيء مؤّخّرا أكثر بعد المقتلة واستغلالًا لها ولنتائجها، وما كان ليتمّ لها ذلك لولا يد المؤسّسة التي دعمتها والتي لا همّ لها إلّا حين يكون الدروز وغيرهم وقود مصالحها ليس إلّا. هذه الشخصيّات التي يشير إليها السيّد صالح في مقابلته بِـ : "المغرِضة والمتاجِرة".  

وبغضّ النظر وبعد سقوط النظام السابق بأيّام عُدت ودعوتني إلى اجتماع لل"قيادات" المحليّة وعلى جدول أعماله كان؛ "حملة المسبّات" على النظام الجديد على شبكات التواصل ممّن وممّا هبّ ودبّ، واتّخذ القرار بالعمل على وقفها لما فيها من إساءة لأهل الجبل، هكذا (!) الملفت كان في هذا الاجتماع المداخلة التي قدّمها هاتفيّا الشيخ حكمت الهجريّ بشكلها ومضمونها (!). أبديت رأيي المؤيّد لوقف التهجّمات، ولكن المخالف للتوجّه وكأنّ الخطر كامنٌ في الشرع والنظام الجديد والمخالف أيضًا للطرح وكأنّ الوعود الإسرائيليّة قاطعة في الموضوع محذّرا من هذا التوجّه والركون إليه، وجاء لقاء باكو في ال12 من تموز ليقطع كجهيزة قولَ كلّ خاطب. ومنذ ذلك الاجتماع لم أعد أٌدعى لمثل هذه الاجتماعات والتي تواترت وخصوصًا بعد صدام جرمانا والأشرفيّة وارتفعت وتيرتها بعد مقتلة تمّوز، وواضح أنّ السبب هو مواقفنا المغايرة رغم أنّ التطوّرات الميدانيّة أثبتت صحّتها، راجع بياناتنا في الحركة التقدميّة وقارنها بمقابلة السيّد صالح طريف.

أكثر من ذلك حين أصدرنا البيانات في "الحركة التقدّميّة للتواصل – درب المعلّم" تواترًا في شكل العلاقات التي بدأت تتراكم مع دروز سوريا؛ الوفود وما تلاها، وتلك التي الذي أصدرناها بعد مقتلة السويداء وآخرها بعد رفع مطالب الشيخ الهجري بتقرير المصير لل"شعب الدرزي" "طارحين الحوار مع النظام الجديد طريقًا للحلّ، فتحت علينا نار جهنّم من بعضٍ هنا ومن بعضٍ من هنالك تسلّقوا أو سُلّقوا أشجار عالية. وهذا السيّد صالح طريف يدعو تمامًا لما دعونا إليه وبالتمام والكمال ومن نفس التبريرات والتعليلات، لا بل ذهب أبعد من ذلك... فما الذي حدا ممّا بدا؟!                  

وأخيرًا يا سماحة الشيخ!

يجب أن نعترف أنّ غالبيّة الدروز في بلادنا؛ قيادة وناس، في مكان ما ساهمت بمواقفها وتصريحاتها فيما آلت إليه أوضاع الجبل وبغضّ النظر عن النوايا فالحكم بالنتائج لا بالنوايا، والدروز هنا بحاجة للتكفير عن ذلك أمام الضمائر وأمام الله جلّ جلاله. ولن تأتي الكفّارة إلّا بالدعوة الجليّة الواضحة إلى فعاليّات الجبل لا بل بالعمل "إن كان لك بعدُ عندها خاطر"، أن تفتح باب الحوار مع النظام الجديد بغضّ النظر عن الموقف منه، فلا حلّ إلّا في ذلك.

ولك في أطروحات السيّد صالح طريف الأخيرة وتعليلاته (الآتية ليس من فراغ) المؤشّر، علمًا أنّ السيّد صالح لا يُطلق أمرًا لا رضى لك عنه. ولعلّ في نتائج المفاوضات والاتّفاق الموقّع بين إسرائيل وغزّة، رغم الفارق الكبير لا بل كم بالحري مع الفارق الكبير، العبرة لمن يعتبر!

والعقل وليّ التوفيق!

ويرى سقراط أن العقل هو أداة الإنسان الأساسية للوصول إلى الحقيقة والفضيلة!