حول التفتيت والتجزئة
06 تشرين الأول 2025
16:56
آخر تحديث:15 تشرين الأول 202512:49
Article Content
رغم أنّ اتفاقية سايكس- بيكو التي وُقّعت في العام ١٩١٦، على إثر انهيار الدولة العثمانية آنذاك قد أنجزت المطلوب منها، حيث رُسمت حدود النفوذ الإستعماري لدول الحلف عبر تقاسم أراضي وشعوب المنطقة باعتبارهم غنائم الانتصارات المحقّقة.
ورغم أنّ هذه الاتفاقية ساهمت بخلق الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، وقسّمت الأمة العربية إلى كيانات متباعدة متنافرة بأنظمتها الدكتاتورية، المختلفة في تسمياتها وأشكالها المتّفقة على قهر وإذلال مواطنيها بالحديد والنار.
ورغم أنّ هذه الاتفاقية قد وفّرت أفضل السُبل لتحقيق الغاية الاستعمارية التي توخّتها الدول الموقّعة منها.
إلّا أنّ التقسيم والتجزئة التي أحدثها لم يعد كافياً لبناء شرق أوسط جديد، والذي تحكمه الإدارة الجديدة المتفرّدة برسم سياسة العالم وفق مصالحها الاستعمارية السياسية والاقتصادية، والتي ترى أنّ التجزئة التي أحدثتها اتفاقية سايكس- بيكو لم تعد تشكّل الرادع المطلوب لخنق أصوات الوحدة العربية التي كانت مسموعة وفاعلة عند النُخب الواعية والمؤثّرة في الشعوب العربية، وأنتجت الربيع العربي كحالةِ انتفاضة على الواقع المزري الذي تعيشه شعوب الأمة، والذي سرعان ما تمّ اختراقه وشيطنة أهدافه وصولاً إلى إزهاق أي أمل في التغيير، ولم تكتفِ بذلك، بل حوّلته إلى كابوسٍ عربي بقيادة حركات التكفير المتعدّدة على قدر تعدّد الطوائف والمذاهب والمدارس الدينية في هذه الأمة، فجعلت مِن تعدّدية الأديان والمذاهب الروحية التي تعايشت مع بعضها البعض منذ عصر وجودها في حالة من الإنسجام والاحترام لخصوصية كلٍ منها إلى سلاحٍ فتّاك عبر جعلها تعيش في حالة انغلاق وتقوقع على ذاتها،
وغذّت العصبية والقبلية والمذهبية فيها، فخلقت في كلٍ منها مجموعة من الدواعش تحرّم المحلّل وتحلّل المحرّم وتعلن نفسها مدافعةً وحاميةً عنها، وإذا رفضتها النُخب الواعية المؤمنة بمفاهيم الإنسانية والتعدّدية والاختلاف وتقبّل الآخر، سرعان ما يتفشّى تخوينها ونبذها وتطويقها وصولاً إلى نفيها أو قتلها، وفقَ ما تقتضيه المرحلة التي يحدّد شكلها عرّاب العالم وحاكمه المنفرد الذي قرّر أن يعيد رسم خارطة هذه المنطقة بحدود جديدة، وأنظمة جديدة يستحيل معها وجود أي أمل في الوحدة، أو على الأقل في الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي لشعوب هذه المنطقة التي قدرها أن تصبح مع هذا التفتيت الجديد سوقاً لنفايات الغرب ، وخزّاناً للطاقة الطبيعية يديره، ومصنعاً ينتِج سلعاً يمكنها المنافسة لأن أجور العمالة عنها مسدّدة سلفاً، ولمدة غير معلومة لسداد دين البنك الدولي، وشركات الكارتيل، وغيرها من وسائل الاستعمار الاقتصادي المعاصر .
نعم، إنّ التفتيت والتجزئة هما عنوان المرحلة القادمة التي رسمت خرائطه وحدوده الولايات المتحدة الأميركية، ولزّمت تنفيذه لإدارة الكيان الصهيوني الذي بدوره أبدع في التنفيذ، فاعتمد أيديولوجية القتل والتهجير والقضم في غزّة، والذئاب المفترسة للأقليات الدينية المذهبية في سورية، كمقدمةٍ لتقسيمها وتفتيتها واجتياحها بحجة حماية الأقليات والثعالب الماكرة في دول الخليج العربي لتحييده وفصله عن محيطه العربي. وفي لبنان الآتي أعظم في ظل الذكاء الإصطناعي وغياب الذكاء الطبيعي، وصراع الجينات في مختبرات تحليل الهوية الوطنية.
إعلان
يتم عرض هذا الإعلان بواسطة إعلانات Google، ولا يتحكم موقعنا في الإعلانات التي تظهر لكل مستخدم.






