الإغلاق الحكومي يشرّع أبواب ترامب للانتقام من الديمقراطيين
03 تشرين الأول 2025
07:01
آخر تحديث:03 تشرين الأول 202507:51
Article Content
مع بداية السنة المالية الأميركية في الأول من تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، دخلت الولايات المتحدة في حال إغلاق حكومي إثر خلاف الحزبين الجمهوري والديمقراطي على عدد من بنود الموازنة، ما حال دون تمريرها في مجلس الشيوخ. فاشتعل فتيل أزمة قد تكون طويلة وشاقة، وربما تؤدي إلى تسريح آلاف الموظفين في الحكومة الاتحادية، قد تصل إلى حدود 750 ألف وظيفة، بتكلفة يومية تُقدر بـ 400 مليون دولار.
تفاصيل الخلاف
جاء الإغلاق الحكومي بعد ساعات من رفض مجلس الشيوخ إجراءً متعلقًا بإنفاق قصير الأجل كان من شأنه أن يبقي عمليات إنفاق الحكومة مستمرة حتى 21 تشرين الأول (أكتوبر) الحالي. إلا أن الديمقراطيين عارضوا التشريع بسبب رفض الجمهوريين تمديد فترة استحقاقات برنامج الرعاية الصحية لملايين الأميركيين.
كانت إدارة الرئيس دونالد ترامب قد سعت لتمرير مشروع قانون التمويل المؤقت الذي أقره مجلس النواب بأغلبيته الجمهورية، ويمدد تمويل الحكومة حتى 21 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. في حين سعى الديمقراطيون لتضمين تجديد الدعم الحكومي لبرنامج الرعاية الصحية المعروف باسم "أوباما كير"، والذي ينتهي بحلول نهاية العام الجاري، والذي تخطط إدارة ترامب لإلغائه. فرد الجمهوريون بأنه يجب التعامل مع هذه المسألة بشكل منفصل.
وعلى الرغم من أنَّ الجمهوريين يسيطرون على مجلسَي الكونغرس، وتمكنوا من تمرير المشروع في مجلس النواب، إلا أنهم يفتقرون في مجلس الشيوخ للأصوات اللازمة لتمرير مشروع القانون الذي حظي بدعم 55 صوتًا مقابل 45 صوتًا ضده، علمًا بأن مشروع القرار يحتاج إلى أغلبية 60 صوتًا لاعتماده من أصل 100 عضو في مجلس الشيوخ حيث يتمتع الديمقراطيون ببعض النفوذ. الأمر الذي سيؤدي إلى استمرار الإغلاق حتى يتوافق الجانبان على حل.
التداعيات الاقتصادية وتهديدات ترامب
إدارة ترامب لم تُبدِ قلقًا كبيرًا حيال الإغلاق، بل استغلت الوضع لصرف "الموظفين غير الأساسيين" ضمن خطة أوسع لخفض الإنفاق. لكن النتائج الاقتصادية تبدو مقلقة: فكل يوم إغلاق يكلف الاقتصاد نحو 400 مليون دولار، وكل أسبوع يُخصَم ما بين 0.1 و0.2 نقطة مئوية من نمو الناتج المحلي. إضافة إلى تعطيل إصدار بيانات اقتصادية مهمة مثل تقرير الوظائف والتضخم، ما يعقد مهمة الاحتياطي الفيدرالي. وكذلك الشلل الذي يمكن أن يصيب خدمات أساسية مثل التراخيص الحكومية والتفتيش الغذائي والبيئي، والخسائر المباشرة لقطاع السفر والسياحة مع تأخيرات محتملة في المطارات وإغلاق المتنزهات والمتاحف.
كان ترامب قد حذر الديمقراطيين في الكونغرس من أن إغلاق الحكومة الاتحادية سيسمح لإدارته باتخاذ إجراءات "لا رجعة فيها" تتضمن إنهاء برامج ووظائف مهمة لهم، في وقت تعمل إدارته على إعادة هيكلة القوى العاملة الفيدرالية وتسريح نحو 300 ألف موظف بحلول كانون الأول (ديسمبر) المقبل، وذلك بعد تعثر حلحلة الخلاف الحاد بينه وبين الديمقراطيين.
وهدد ترامب الديمقراطيين بمعاقبتهم وناخبيهم باستهداف "أولوياتهم التقدمية" والدفع باتّجاه خفض كبير في عدد الوظائف في القطاع العام. وقال للصحافيين: "سنسرح عددًا كبيرًا من الأشخاص.. هم ديمقراطيون، وسيكونون ديمقراطيين.. الكثير من الأمور الجيدة يمكن أن تأتي من عمليات الإغلاق".
وسارع البيت الأبيض للتأكيد على لسان المتحدثة باسمه، كارولين ليفيت، بأن عمليات التسريح النهائي باتت "وشيكة"، مشيرة إلى أن إدارة الرئيس "تعمل مع وكالات على نطاق واسع لتحديد أين يمكن إجراء اقتطاعات"، وذلك بدلًا من مجرد تسريح مؤقت للموظفين كما جرت عليه العادة عند أي انقطاع في التمويل.
يُشار إلى أن تهديدات البيت الأبيض بخفض مزيد من الوظائف، تُضاف إلى المخاوف المنتشرة أصلًا بين موظفي الإدارات الفيدرالية والتي أثارتها عمليات تسريح واسعة النطاق أقرّتها "هيئة الكفاءة الحكومية" التي كان يرأسها الملياردير إيلون ماسك في وقت سابق من هذا العام.
تبادل الاتهامات
سارع الجمهوريون والديمقراطيون إلى تبادل الاتهامات بهذا الشأن، وكتب رئيس مجلس النواب الجمهوري مايك جونسون على موقع "إكس" أن "الديمقراطيين صوتوا رسميًا لمصلحة الإغلاق الحكومي". وتساءل: "إلى متى سيسمح تشاك شومر (زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ) بتواصل هذا الألم من أجل دوافعه الأنانية؟".
وأضاف: "نتائج ذلك: أمهات وأطفال محرومون الآن من التغذية التي يوفرها برنامج التغذية التكميلية الخاص بالنساء والرضع والأطفال. المحاربون القدامى محرومون من الرعاية الصحية وبرامج الوقاية من الانتحار. الوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ تعاني عجزًا في التمويل خلال موسم الأعاصير. الجنود وموظفو إدارة أمن النقل لا يتقاضون أجورهم".
في المقابل، لفت الديمقراطيون إلى "النهج العدواني لإدارة ترامب"، واتهم الزعيمان الديمقراطيان تشاك شومر وحكيم جيفريز في بيان مشترك "ترامب والجمهوريين بأنهم أغلقوا الحكومة الفيدرالية لأنهم لا يريدون حماية الرعاية الصحية للشعب الأميركي (...)". وأضافا: "لقد أصبح الرئيس أكثر تقلبًا واضطرابًا".
وقال شومر في بيان إن "هذه محاولة للترهيب. دونالد ترامب يفصل الموظفين الفيدراليين منذ اليوم الأول ليس من أجل الحُكم، بل من أجل التخويف"، مشيرًا إلى أن الفصل غير الضروري هذا سيُلغى إما في المحاكم وإما ستضطر الإدارة لإعادة توظيفهم كما فعلت مؤخرًا. فيما كتب جيفريز على منصة إكس أن هدف الإدارة هو "تدمير حياتكم ومعاقبة العائلات الكادحة التي تعاني أصلًا من رسوم ترامب الجمركية والتضخم".
بدورها، كتبت كامالا هاريس، المرشحة الرئاسية السابقة للحزب الديمقراطي، على منصة "إكس" أن الجمهوريين هم من يسيطرون على البيت الأبيض ومجلسي الكونغرس. وأضافت "إنه إغلاقهم".
من جهته قال رئيس اتحاد موظفي الحكومة الأميركية إيفريت كيلي في بيان إن "الموظفين الفيدراليين ليسوا أوراق مساومة. إنهم قدامى محاربين، ومقدمو رعاية، وضباط إنفاذ القانون، يخدمون بلادهم يوميًا. إنهم يستحقون الاستقرار والاحترام، لا خطابات فصل ولا ألعابًا سياسية".
المخاوف الأمنية والعقوبات الإجرائية
مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي (FBI) حذر من التهديد الذي يشكله إغلاق الحكومة الفيدرالية على الأمن القومي الأميركي، وقال في مذكرة داخلية نقلتها شبكة "سي إن إن"، إن "الإغلاق قد يقوّض قدرة المكتب على القيام بواجباته في وقت تواجه فيه البلاد مجموعة غير مسبوقة من التهديدات للأمن القومي والجريمة"، محذرًا من أن تقليص الموارد التشغيلية بسبب الإغلاق، قد يعطل العمل في مجالات مثل التحقيقات والمراقبة والتحليل الجنائي، فضلًا عن التعاون مع جهات إنفاذ القانون داخل الولايات المتحدة وخارجها.
وفي أول تحرك إجرائي عقابي، أعلن مكتب الإدارة والميزانية أنه سيعلق نحو 18 مليار دولار من أموال البنية التحتية لمشروعي مترو أنفاق نيويورك، ونفق هدسون، مسقط رأس الزعماء الديمقراطيين في مجلسي النواب والشيوخ الأميركيين، مع إعطاء عمال وزارة النقل المرتبطين بالمشروعين، إجازة كجزء من الإغلاق الحكومي.
مستقبل غامض
أمام هذه التطورات، لا يلوح في الأفق أي حل واضح للخروج من هذا المأزق، في وقت تحذر الوكالات الفيدرالية من أن الإغلاق الحكومي سيعيق إصدار تقرير الوظائف لشهر أيلول (سبتمبر) الماضي، والذي يحظى بمتابعة دقيقة، وسيبطئ حركة السفر الجوي، وسيعلق البحث العلمي، وسيحجب رواتب القوات الأميركية.
ويحذر الخبراء من أن استمرار الأزمة قد يزعزع ثقة المستثمرين بالاقتصاد الأميركي، خصوصًا في وقت يشهد سوق العمل تباطؤًا ملحوظًا. ومع غياب أفق للتوافق بين الحزبين، يظل شبح الإغلاق مهددًا لمستقبل النمو والتوظيف والاستقرار المالي في الولايات المتحدة.
يُشار إلى أن هذا الإغلاق، هو الأول من نوعه خلال 6 سنوات في ولاية ترامب الثانية. فخلال ولايته الأولى، حدثت ثلاث عمليات إغلاق، بينها تلك الأطول في التاريخ الأمريكي بـ 35 يومًا، بسبب الخلافات حول تمويل جدار على الحدود مع المكسيك، وانتهت في كانون الثاني (يناير) 2019. وقدّر مكتب الميزانية في الكونغرس أن ذلك أدى إلى خفض الإنتاج الاقتصادي بنحو 11 مليار دولار، بما في ذلك 3 مليارات دولار لم تُسترد قط.
إعلان
يتم عرض هذا الإعلان بواسطة إعلانات Google، ولا يتحكم موقعنا في الإعلانات التي تظهر لكل مستخدم.






