"إسرائيل الكبرى": مشروع نتنياهو الأخطر... وشعوب لا تقرأ
14 آب 2025
13:07
Article Content
ما يحصل في المنطقة، ليس وليد اللحظة، وليس فجائيًّا لمن يتابع المخططات منذ سنوات، ولمن يقرأ سير الأمور خارج أي اصطفاف أو تحيّز، ما يحصل هو سياسة تُحاك منذ فجر التاريخ، مذ وُلِدَت الحركة الصهيونيّة وبدأت المنطقة تتقسّم "حضاريا" من قِبَل "الدول العظمى"، وما كان يُسمّى سابقا بـ"نظريّات مؤامرة" واستَهزأ به الكثيرون من قبل، بات اليوم أشبه بواقع مُعاش. ولكنه أيضاً لا يزال غير مرئي من قبل الكثيرين بالرغم من وضوحه كالشمس الساطعة! فما هو المشروع المُحضّر للمنطقة؟
يؤكّد العديد من المراقبين، أن مشروع "إسرائيل الكبرى" دخل حيّز التنفيذ منذ قرابة الثمانية أشهر، ويؤكّد تلك النظرية تكرار نتنياهو لتصريحاته بهذا الشأن، آخرها كان تصريحه بالأمس بأنه "يحمل رسالة تاريخية وروحانية تتوارثها الأجيال، تجعله يتماهى بمشروع إسرائيل الكبرى التي تضم كل من الأردن، المملكة العربية السعودية، لبنان، سوريا ومصر لتكون خريطة جديدة على مقاس إسرائيل".
يتم تنفيذ هذه الخطة اليوم من خلال خطوات عدة وكبيرة منها ما هو عميق يدخل في السياسة المُتّبعة تجاه المنطقة، ومنها العسكري الذي بدأ من سنوات، ويُستكمل اليوم أولا بالإبادة الحاصلة في غزة وعمليات التهجير والقتل في الداخل المحتل والضفة الغربية، واحتلال مواقع عدة في الجنوب اللبناني، إضافة إلى تعزيز التفتت الداخلي الطائفي في سوريا الذي سيكون له حتماً الدور الأكبر في البدء بتكوين الممر "الحلم" أو "ممر داوود" وبالتالي إسرائيل الكبرى "من النيل إلى الفرات"!
أما العامل التاريخي، لإنجاح هذا المخطط، فقد بدأ منذ إعلان قيام دولة الاحتلال، ذلك من خلال تحويل القضية الفلسطينية من قضية عربية - صهيونية، إلى إسلامية - صهيونية، ومن ثم اليوم تحويلها لقضية أو صراع شيعيّ - إسرائيليّ، بمحاولة تخريج، إعلاميا فقط، كافة المكونات العربية ومختلف الإنتماءات الدينية والعرقية من صلب هذا الصراع، خاصة المسيحيين منهم والذين كانوا ولا يزالوا في صلب هذا الصراع خاصة مع المعاناة التي يعانوها إلى جانب كافة الطوائف في الأراضي المحتلة من تهجير واستهداف وقتل وارتكابات بحقّهم، وأيضا الدروز خاصّة في الجولان المحتل الذين لا يزالون يحملون الشعلة العربيّة رافضين التخلي عن انتمائهم التاريخي.
ذلك لأن "الصهيونية الأدبية سبقت الصهيونية السياسية وأسست لها، لتصبح فيما بعد برنامجا سياسيا للحركة الصهيونية" كما قال غسان كنفاني، فبات إقناع العالم العربي خصوصا، الذي يعاني من التخبّط الداخلي العميق، ما يستغله الاحتلال الإسرائيلي، بمدى خطورة المخططات الإسرائيلية صعبا جدا، ويتطلّب الكثير من "التضحيات" كما يحصل اليوم بكل أشكال الجرائم، في أوطاننا العربية.
إضافة إلى ذلك، فالإختراق الإسرائيليّ الحاصل حاليا للأراضي والقرار السوري عبر تقديم أوهام "عاطفيّة"، سواء بأكذوبة "حماية الأقليات" أو بزعمها تقديم "مساعدات إنسانيّة"، ليست إلا استكمالاً لخطتها بتأجيج الفتن بين مكونات الشعب السوري أولا، والعربي ثانيا، وأيضا بإيهام الفرقاء الآخرين بأنها داعمة لأي مكوّن يختار الإنفصال. إذ إن عمليات الإنفصال في دولنا العربية وخلق شكل من أشكال الدول الطائفيّة، لا يشرّع وجودها كدولة يهودية في المنطقة فسحب - وإن كانت اليوم بحاجة ماسّة إلى هذه الشرعيّة- بل أيضا، يساعدها في عمليات التهجير و"النقل" التي تنوي القيام بها للفلسطينيين من غزًة والضفة والأراضي المحتلّة.
كما أن الأصوات الإنفصالية تسهم في جعل تنفيذ ممر داوود أكثر سهولة، ويمر بدون أي مقاومة أو معارضة من أحد، إضافة إلى جعل أبناء السويداء - بخطواتها الحاليّة - "حرّاس حدود" لها بدون أي نوع من التكاليف المادية والمعنوية والعددية في أي عملية يمكن أن تقوم بها المستقبل. ولذلك تسعى لتعزيز الأصوات الإنفصالية أكثر فأكثر ليس فقط في السويداء بل أيضا في الساحل والشمال السوري، وهذا أمر يحذّر منه الكثير من العقلاء إضافة إلى، "المجرّب"، أي أهالي الجولان المحتل الذين ينبّهون من انزلاق محافظة السويداء في لعبة الاحتلال، الساعي إلى مصالحه التوسعيّة على حساب شعوبنا وأوطاننا العربيّة، والتي لا شك بأنها لن تتوقّف عند حدود السويداء، والتاريخ شاهد!
ختاما، يقول الدكتور علي عواد أن هناك طريقتين للتأثير على الرأي، وهما "الحجة والتجربة"، ويضيف "ينادي الخبراء بعدم كفاءة الحجة لإضاءة زوايا الآراء والأحكام المرصودة في أغلبية الأنظمة السياسية في دول العالم الثالث، ويجزم الخبراء ونجزم نحن من خلال دراستنا للأزمات الأهلية المتأججة بأحدث تقنيات صناعة الرأي والدعاية، أنه لا يوجد للتأثير سوى سبيل فعال تحدده كلمة واحدة تتصف بالشمولية وهي: التجربة"، ويختم عواد قائلاً "الويل للشعوب التي لا تقرأ التاريخ والتي لا تقرأ التجارب، فتقع فريسة سهلة في براثن التفتيت والتقسيم والتجزئة"، فهل من شعوب تقرأ التاريخ وتتعظ؟
إعلان
يتم عرض هذا الإعلان بواسطة إعلانات Google، ولا يتحكم موقعنا في الإعلانات التي تظهر لكل مستخدم.






