جنوب سوريا: ساحة مفاوضات بين دمشق وتل أبيب
01 آب 2025
08:04
Article Content
إذا كانت المفاوضات السورية - الإسرائيلية تشهد تحولات لافتة مدفوعة بتطورات إقليمية وأحداث داخلية، أبرزها ما حدث مؤخراً في محافظة السويداء، فإن هذه التطورات تثير تساؤلات حول مستقبلها، وما إذا كانت ستؤدي إلى حلول دائمة.
سيناريوهات عدة مطروحة، يغلفها ضبابية نوايا إسرائيل في مفاوضاتها الجارية مع الدولة السورية الجديدة، وهيمنة أميركية كقوة وحيدة وفاعلة، تقف بالمطلق إلى جانب تل أبيب، في ظل خلل كبير في موازين القوى، يقابلها واقع سوري يواجه تحديات بنيوية (سياسية، سيادية، اقتصادية وأمنية)، مما يجعل القيادة السورية الجديدة بعيدة عن التأثير في حل القضايا العالقة، وأهمها قضية الجولان المحتل.
ويبدو أن إسرائيل تسعى لاستغلال ذلك لفرض صيغة على الجانب السوري لا تخدم القضية الوطنية المتمثلة في استعادة الجولان وكامل الحقوق في إطار القرارين الأمميين 242 و383، حيث تسعى سوريا الجديدة لتثبيت وجودها عبر آليات سياسية تمنع التدهور في ظل الظروف المعقدة والصعبة.
وتكمن فرصة سوريا الاستراتيجية لتحقيق الحد الأدنى من سياستها الراهنة في المفاوضات، في استثمارها للدعم العربي والإقليمي وبعض من الغطاء الأميركي والغربي، الذي يبقى محدوداً مقابل النزعة الإسرائيلية العدوانية والتوسعية وطبيعة التحالفات القائمة بين تلك القوى وتل أبيب.
حتى الآن، يبدو أن هدف إسرائيل من المفاوضات في المرحلة الحالية هو أقل من اتفاق سلام، والعمل على وضع ترتيبات أمنية في الجنوب السوري، قد يمهد الطريق نحو اتفاق سلام وتطبيع للعلاقات بحلول نهاية عام 2025، والانضمام إلى الاتفاقيات الإبراهيمية.
واليوم، يتربع على سدة القيادة الإسرائيلية يمين متطرف، ويرسل أحد أبرز رموزه ليقود المفاوضات، وهو وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي، رون ديرمر، مع وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني.
ويحمل ديرمر إصراراً على الاحتفاظ بالجولان وهاجساً بضمان أمن إسرائيل، والسعي لتوسيع حدود وجودها وهيمنتها في سوريا، والتي فرضتها تل أبيب منذ سقوط النظام السابق في الثامن من كانون الأول 2024.
لا شك أن الحكومة السورية، وإن طالبت بالعودة الإسرائيلية عما تم احتلاله بعد الثامن من كانون الأول الماضي، إلا أنها تعي أن إسرائيل لن تنسحب وستماطل ربما لسنوات، لا سيما وأن الجيش الإسرائيلي بنى مدينة عسكرية في مرتفعات جبل الشيخ، ما يؤشر إلى إقامة طويلة في المنطقة. وعليه، تراهن إسرائيل على تفاهم يتيح إبقاء قواتها في الموقع وإنشاء خط جغرافي لمرور العربات العسكرية الإسرائيلية تجاه القنيطرة من جبل الشيخ.
بعد محادثات باكو في 13 تموز الماضي، والتي قيل إنها عُلقت نتيجة للأحداث الدامية في السويداء، تجدد مسار اللقاءات بشكل رسمي وسياسي في العاصمة الفرنسية باريس، برعاية فرنسية - أميركية، ربما لإعطاء صبغة دولية لهذه التفاهمات، وإجراء حلحلة للعديد من الملفات، خصوصاً التفاوض مع "قسد" والوضع الجديد في السويداء.
واُعتُبر اجتماع باريس في 24 تموز الماضي برعاية أميركية، أرفع مشاركة رسمية سورية منذ أكثر من 25 عاماً، عندما رعى الرئيس الأميركي الأسبق، بيل كلينتون، بين عامي 1999 و2000، اجتماعاً بين وزير خارجية سوريا، فاروق الشرع، ووزير الخارجية الإسرائيلي حينئذٍ، إيهود باراك.
وشكّل اجتماع باريس الاسبوع الماضي، برعاية المبعوث الأميركي، توم بَرَّاك، بين وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني ووزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، خطوة أولى على مسار اتخاذ تدابير لبناء الثقة من الجانبين، لكن ثمة اختلافات جوهرية فرضها الواقع الجديد في سوريا والمنطقة والعالم.
وفق التسريبات التي جاءت في قضية الجنوب السوري عقب اللقاءات في باريس، فإنه جرى الاتفاق على نزع السلاح من محافظتي درعا والقنيطرة، وإعطاء الدور السياسي لواشنطن لمراقبة الوضع في السويداء مع "إدارة ذاتية خجولة". ولكن السردية المطروحة، وفقاً للتسريبات، لا تزال منقوصة في قراءة المشهد المعقد.
فالقضية جنوباً ليست منحصرة بالقنيطرة ودرعا، نظراً لأهمية ريف دمشق المتمثلة بجبل الشيخ. كذلك لا تكفل الوصاية الخارجية على السويداء لإسرائيل أمناً لحدودها دون رعاية ومشاركة من الحكومة السورية.
وتشير المعطيات إلى أن المحادثات الجارية بين سوريا وإسرائيل تتناول أربع مناطق رئيسية في جنوب سوريا، ما يعكس طابعاً جدياً وحقيقياً لإعادة صياغة العلاقة بين الجانبين.
ريف دمشق
وتركّز إسرائيل على مرتفعات جبل الشيخ، التي تعتبرها هدفاً استراتيجياً يمنحها سيطرة نارية وإطلالة على كل من سوريا ولبنان والأردن، حيث يعزز تواجدها في هذه المنطقة، قدراتها الدفاعية من خلال منظومة الإنذار المبكر.
محافظة القنيطرة
تتبع إسرائيل استراتيجية مرنة في القنيطرة، حيث لا توجد قواعد عسكرية ثابتة باستثناء بعض النقاط الاستراتيجية مثل تل الأحمر. وقد تعمل على تعديل اتفاقية 1974، عبر الحفاظ على نقاط عسكرية مستقلة وتفعيل دور قوات "الأوندوف" الدولية للفصل، مما يضمن لها طريقاً جغرافياً يربط جبل الشيخ بالقنيطرة وريف درعا الجنوبي الغربي.
محافظة درعا
تتمحور المطامع الإسرائيلية في درعا حول منطقة اليرموك، لأهميتها الأمنية والقرب من إسرائيل، وأهميتها المائية عبر حوض اليرموك، وقدرتها على ربطها بمحافظة السويداء. قد يلعب الأردن دوراً في أي مفاوضات حول حوض اليرموك.
في المقابل، تضغط سوريا على إسرائيل للانسحاب من جميع النقاط التي تقدمت إليها، مقابل ضمانات بعدم اقتراب أي جهة مسلحة من الحدود. وقد تسفر المفاوضات عن انسحاب إسرائيلي من معظم النقاط، مع الإبقاء على طريق استراتيجي يربطها بالسويداء.
محافظة السويداء
أصبح الدور الأميركي في ملف السويداء واضحاً، مع وجود إشارات إلى اتجاه نحو "الإدارة الذاتية". وتلقى هذه الفكرة تأييداً من إسرائيل، إذ ترى فيها وسيلة لإبعاد أي عامل قد يعيق مشاريعها لربط السويداء بشمال شرق الفرات.
كان من المقرر عقد لقاء جديد بين الشيباني وديرمر أمس الخميس في باكو، عاصمة أذربيجان، لكن زيارة وزير الخارجية السوري إلى روسيا وتمديدها يوماً آخر، ألغت على ما يبدو زيارته إلى باكو للقاء المسؤول الإسرائيلي الذي يبدو أن دولته غير مستعدة للتنازل عن الجولان، بل تحاول المقايضة على دعم الاستقرار في سوريا مقابل تحقيق مطالبها. ولضمان أي اتفاق، تطالب بإبعاد القوات السورية لمسافة تصل لثمانين كيلومتراً عن الجولان.
ويبقى الدافع الأساسي لإسرائيل هو السعي للحيلولة دون تحوّل سوريا إلى دولة تدور في الفلك التركي، وقطع الطريق على احتمال قيام تركيا بتدريب الجيش السوري واختراقه وتزويده بالسلاح، ناهيك عن تأسيس قواعد عسكرية تركية وقواعد تنصت ورادارات على الأراضي السورية. فثمة مخاوف إسرائيلية من تكرار تجربة مشابهة لتجربة "حماس"، بوصفها إسلاماً جهادياً يمكن أن تستخدمه تركيا لتعزيز دورها في شرق المتوسط وعلى حدود إسرائيل، في مناخ من التوتر الناجم عن "الهيمنة" الإسرائيلية في الإقليم، في وقت لم يعد على ما يبدو ان هناك هاجساً حقيقياً وعملياً لدى إسرائيل من عودة النفوذ الإيراني في المدى المنظور.
إعلان
يتم عرض هذا الإعلان بواسطة إعلانات Google، ولا يتحكم موقعنا في الإعلانات التي تظهر لكل مستخدم.






