Advertise here

المصالحة...المختارة

04 أيلول 2019 16:04:00 - آخر تحديث: 04 أيلول 2019 16:10:16

أمّا وقد اجتاز الجبل "قطوعًا" مفصليًا إثر حوادث البساتين المؤسفة ودخلنا في لقاءات المصارحة والمصالحة، فذلك أزاح عنا كابوسًا جثم على صدورنا خلال هذه الأحداث نظرًا الى ما سمعناه وشهدناه من مواقف تقشعر لها الأبدان، فهل يعقل بعد الطائف ومصالحة الجبل أن نسمع ما سمعناه من نبش للقبور ونكء للجروح وإثارة للأحقاد؟ لن أعود الى ما حصل ولكن أذكّر من أجل أن نتعظ مرة جديدة وأخيرة بأنّه لا خيار لنا، وفي الجبل تحديدًا، إلا العيش الواحد، هذا قدرنا، فقد مرت حروب وأهوال ولكن عدنا إلى الجذور، فلا عودة للحروب ولا للتذكير بها، فالتباينات السياسية والخلافات أمر طبيعي في بلد ديموقراطي، وإنّما لا أحد وأيًا يكن يذكّرنا بصفحات سود، فالاعتذار عن حقبة ما شجاعة والتسامح فعل إيمان.

إنّها صفحة سوداء طويناها، وقد نجا الجبل بحكمة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ممن استهدفوه وحاولوا تحجيمه واستعملوا ضده كل الوسائل، وفي خضم الأزمة، "وتنذكر ما تنعاد"، قلنا إنّ المختارة عصية على من يحاول تحجيمها واستهدافها. لا أريد أن أعود إلى الماضي أو ألجأ إلى عبارات قد تحمل تحديات، ونحن أهل الاعتدال والتسامح، إلا أنّني جئت عبر البحر في عز الأمواج والرياح لأقول حافظوا على الجبل وعلى العيش الواحد، أقول ذلك لأنّني وبكل تواضع وبساطة واكبت كل تلك الحقبة من خلال المساعي واللقاءات وفي أصعب الظروف وأخطرها عبرت المتحف ومعبر "العجة" تحديدًا لعلّني أبلسم جروح أهلنا دروزًا ومسيحيين، فأنا ابن الجبل والمختارة... مختارة المصالحة والوطنية والعروبة.
حصل ما حصل آنذاك وجاء الطائف بدعم وجهد سعودي واكبته عن كثب حيث كان همّ قادة المملكة السلم الأهلي في لبنان، والطائف أرسى السلم الأهلي وهو الدستور في آن، ولكنّ البعض لم يتعظ، إنّما من قلب منفتح أدعو هؤلاء بعد البساتين ومثلث قبرشمون الى أن يتعظوا. خيارنا الحفاظ على المصالحة المختارة والتي أرسيت في يوم مشهود ولم يقبل وليد جنبلاط إلا بإحاطتها من خلال إعادة ترميم كنيسة السيدة وجامع الأمير شكيب أرسلان، هي المختارة والمصالحة، فلا تشككوا بها، إنّها ثمرة جهد كبير من بلادي بطل الاستقلال الثاني البطريرك مار نصرالله بطرس صفير والزعيم الوطني وليد جنبلاط وكوكبة من المخلصين الذين باركوا هذه المصالحة ودعموها.

عود على بدء. تجاوزنا حادثة البساتين وانتقلنا من مصارحة ومصالحة بعبدا إلى أجواء عائلية وشوفية خالصة في بيت الدين حيث قيم أهل الشوف وإقليم الخروب وكل الجبل، فالتسامح من شيمنا والمحبة تاريخنا وحاضرنا والعيش الواحد دستورنا وكتابنا ومن يومياتنا حيث تقاليد الآباء والأجداد، فلنحافظ عليها، ومرة جديدة لنتعظ فلا عودة إلى الوراء، لننظر إلى الحاضر والمستقبل رأفةً بأهلنا وبهؤلاء الشباب الذين يهاجرون أمام بطالة قاهرة.