Advertise here

عندما يرثي مارسيل خليفة المناضل نديم عبد الصمد!

02 أيلول 2019 21:16:00 - آخر تحديث: 02 أيلول 2019 21:17:19

يا نديم ... يكفي أن يسيل قليل من الحبر على غيابك كي يتبخّر ألم زائد عن الحد. ألقي التحيّة لك وأدرّب حروفي على التذكّر لأعثر في فوضاها على المعنى الضروري الذي يكفي لسد فراغ ما نعيش فيه. مساحة النسيان أوسع من حديقة المحفوظ. وفي هذا الضجيج المتسّع للنسيا . ليس لنا، إذن، غير أن نحفظ أطلال الماضي ممّا يهدمها.

اذكر كتاباً ولا اذكر عنواناً  من مجهول أعطاني إياه الصديق عبدالله في أولى زياراتي للجزائر. وزاد إعجابي  بالمجهول الذي هو أنتَ. ولقد قرأته كثيراً لهضم المقروء. وما أعقد ما  أن تتصفّح كتاباً يكبرك لكنّك تعاند صفحاته التي لا تزول. 

وأنا في الطائرة من بيروت إلى تونس لتكريم الصديق مارون بغدادي في مدينة "سوسة" قرأت خبر رحيلك! يجوع فيَّ الهوى إلى صُوَر معلقّة على حبل خيالاتي. فكان عزائي أن أكتب عنكَ وأكتب لك على علوّ 33 ألف قدم.

كيف أختار من الكلمات ما يرفع من قامة الصدق ولا أبالي إن بدوت للبعض "رومانسياً" ضلّ طريقه. فليس لي الكثير من الشهيّة لتأبين"بطولي" بل لإرسال الخيال إلى خارجه القصّي واستظهار مخزون الحب في الذاكرة. أنتَ منّا ونحن منك فلمَ نبحث للتباوح عن لغة المجاملة؟! أحدّق في البعيد من نافذة الطائرة فأرى صورتك كبشارة مطر في السحاب.

أَتذكَّرْ: 

كانت بيروت أندلس مهاجرة من قاتلها الكريه إلى أمان وشهيّة العشّاق إلى مسراهم وأنشودة يرفعها الرفاق صبحاً وعَشايا بين غرف مبعثرة في "القَصرْ" الذي كان قصراً بمن فيه وبما فيه من أفكار وأحلام على قارعة الطريق الجديدة. بيروت قُدَّتْ من صخر وجمر وفكرة خرجت من الصدى إلى المدى. بيروت ما أنتَ إلاّ أنتَ في ذكرى ترقد كما ترقد في داخلي أسماء الأحبّة الذين رحلوا من زمان . أقرأ طالع البلد في فنجان التأمل. أبحث في كتاب الغد عمّا لم أره في كتاب الأمس. أفلّي الصفحات وأنتظر الشهب تمطر على المدينة لتحرق  المهزلة.

إلى وعود المطرقة انصرفت. وكنت كلما قلّ في داخلك ماء الرجاء تعزّي نفسك بأنك ما أخطأت في طريق الشقاء ولقد ربيت الممكن في دواخلنا. 

علمتنا أن لا نختار من الرأي أولّه وأن لا نستعجل القفز من الحدوس الى الأفكار. علمتنا كيف نربي اليقين على التواضع واصطحاب الشك في طريقنا. علمتنا من السياسة الإكثار من الكياسة عند الشدائد وكيف نصيخ السمع للرياح القادمة ونزاوج بين الشك واليقين مثلما يتزاوج الفدائي بين خوفه والشجاعة النائمة. 
 
إلى السياسة أرسلت يدك في تحية الوداع قبل الأخيرة واعتكفت في ضيعتك الشوفيّة وكان لها أن تذكرنا  في وداعك بعشرة لا ينساها شعب الوفاء، كلما شبّت على جنبات الأرض نار الحروب الجائرة.

سلام عليك يا أيها الذي لم يعبر القلب إلاّ ليقيم خيامه في الشفاف. سلام عليك يا أيها الذي رَحل إلى تلك الضفاف.
لن يدور الزمان دورته وينساك مثلما لم ينسى التاريخ من حركّه وصنع له في الأفق عنواناً. لك عطر المساء الخريفي ورسائل حب وباقات من زهر الليلك.

نديم عبد الصمد شكراً لك!