يتابع اللبنانيون هذه الأيام العدوان الإسرائيلي على لبنان بمشاهد يومية للصواريخ التي تعبر سماءه، وبحركة قلقة في مطار بيروت والملاحة الجوية. وسط مخاوف من إقحامه في المعركة، من خلال تدخّل حزب الله، الذي كان يُعتبَر الذراع الأقوى لطهران في المنطقة.

خسر حزب الله بعد العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان حضوره العسكري السابق، كما الجزء الأكبر من مقدراته من عتاد وصواريخ ومسيّرات وعناصر، إضافة إلى قيادته على مستوى الصفين الأول والثاني.

تتجّه الأنظار بعد اندلاع المواجهة الكبرى بين تل أبيب وطهران، إلى جنوب لبنان، واحتمال اشتعال هذه الجبهة من جديد إذا قرّر الحزب الدخول في حرب إسناد مشابهة لتلك التي أعلنها في 8 تشرين الأول/أكتوبر 2023 بعد عملية طوفان الأقصى دعمًا لغزة.

لا يبدو الحزب في وارد الدخول في هذه المغامرة، أو ربما غير قادر، لا سيما وأنه بحالة انسحاب شبه كامل من منطقة جنوب الليطاني بعد اتفاق وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2024. وبالتالي لا تواجد عسكريًا وازنًا له عند الحافة الحدودية الأمامية، التي كانت تسمح له بشنّ هجمات عبر مسيّرات وصواريخ، طالت خلال حرب الإسناد أكثر من مرة كلا من حيفا وتل أبيب.

تحذيرات دولية

منذ صباح يوم الجمعة، تبلّغ لبنان الرسمي سلسلة مواقف دولية، بعضها كان بلهجة تحذيرية من أي عمليات قد تُشنّ من لبنان. وتشديد على ضرورة الإلتزام بالقرار 1701، وعدم السماح بخرقه.

جاء الرد الرسمي خلال جلسة للحكومة اللبنانية، يوم الاثنين، حيث أكد رئيس الجمهورية جوزاف عون على وجوب القيام بالمستحيل "لإبعاد لبنان عما يحصل من صراعات لا دور لنا فيها او علاقة بها"، كما نوّه بموقف الفعاليات اللبنانية كافة للمحافظة على الاستقرار خصوصًا مع موسم صيف واعد.

كما شدد رئيس مجلس الوزراء نواف سلام على "ضرورة الحؤول دون توريط لبنان في أي شكل من الأشكال بالحرب الدائرة لما يترتب علينا من تداعيات لا علاقة لنا بها".

حياد لبناني

تدفع الرئاسات اللبنانية الثلاث باتجاه إبقاء لبنان على الحياد في ظل الصراع القائم، مستفيدة من التحوّلات الكبرى التي شهدتها المنطقة في الأشهر الماضية. فالموقف الرسمي الداعي لنأي لبنان بنفسه لم يكن لينجح في السنوات الماضية، في ظل رفع إيران شعار "وحدة الساحات" في المنطقة، من طهران الى العراق وسوريا ولبنان، وصولًا إلى غزة.

يحمل الواقع المستجد الكثير من التساؤلات، حول مصير هذه الساحات، وعمّا إذا كانت لا تزال ذات جدوى. وأما السؤال الأهم في هذه اللحظة المصيرية من تاريخ الإقليم، فهو هل انتهى دور حزب الله في صراع المحاور؟ وهل خرج لبنان من كونه ساحة أو صندوق بريد؟

حزب الله في مرحلة جديدة

من جهتها، أكدت المحللة السياسية اللبنانية ميساء عبد الخالق، في حديث لـ"الترا صوت"، أن الموقف الرسمي اللبناني يتمثّل في إدانة العدوان الإسرائيلي على إيران، مع التشديد على عدم انخراط الجانب اللبناني في الصراع.

واستبعدت عبد الخالق أن يُقدم حزب الله في الوقت الراهن على استئناف العمليات ضد الكيان الإسرائيلي، استنادًا إلى بيانه الأخير الذي اكتفى فيه بالإدانة والاستنكار، من دون الإشارة إلى شن هجمات دفاعًا عن ايران.

وشدّدت على أن لبنان لا يحتمل تبعات حرب جديدة، لا سيما بعد عدوان العام الماضي الذي أسفر عن آلاف الضحايا، إلى جانب الخسائر المادية الجسيمة، حيث قدّر البنك الدولي الكلفة الاقتصادية للصراع في لبنان حينها بنحو 14 مليار دولار أميركي.

وأكدت عبد الخالق أن الشعب اللبناني، رغم عدائه لإسرائيل، لا يريد حربًا، مشيرة إلى أن إيران لم تتدخل في الصراع دفاعًا عن لبنان بعد العدوان عليه العام الماضي. واستبعدت عبد الخالق خروج حزب الله من محور إيران لأنه يشكل أحد أذرعته في المنطقة، مبينة أن حزب الله في مرحلة جديدة خاصة بعد اتخاذ لبنان قرار حصر السلاح بيد الدولة الى حانب موافقته على القرار 1701 الذي يتضمن هذا البند أيضًا.

إعادة الإعمار

وعليه، يقرأ حزب الله المرحلة وفق مقاربة مختلفة. فالأولوية لديه بعد قبوله بوقف النار هي إعادة إعمار جنوب لبنان، حيث ما زالت أكثر من 60 قرية حدودية مدمّرة بالكامل، كما الضاحية الجنوبية لبيروت والبقاع. وحتى اليوم لم تتمكن العائلات من العودة إلى بيوتها وبلداتها، في حين لم تبد بعد أي جهة دولية نيتها التدخل الفوري للبدء بالإعمار، لا بل بات موقف المجتمع الدولي شبه واضح، بأن لا أموال للبنان بما فيها الإعمار قبل شروع لبنان بشكل جدي بالاصلاحات المطلوبة منه، وبحصر السلاح بشكل حازم بيد الدولة.

وبناء على هذه الرسائل على خط بيروت، سيكون حزب الله أمام تحدي الواقعية السياسية وكيفية التعامل مع الواقع اللبناني الجديد، كما الواقع الإقليمي وفق نتائج الحرب الدائرة. وبدلًا من البحث في احتمال دخوله في حرب إسناد جديدة، ربما سيكون البحث هو في كيفية انخراطه أكثر في الدولة والبناء لمرحلة سياسية جديدة من تاريخه، قد تكون خالية تمامًا من العسكر.

ضياع الموسم السياحي

إلى جانب الواقعين السياسي والعسكري، انعكس العدوان الإسرائيلي على إيران سلبًا على الداخل اللبناني لا سيما اقتصاديًا، وبدأت تصدر تحذيرات عدة من ضياع الموسم السياحي في الصيف المقبل، بعد استعدادات كبيرة طوال الأسابيع الماضي، وبعد قرار عدد من الدول العربية برفع الحظر عن سفر رعاياها إلى لبنان.

في أولى المؤشرات على التأثيرات السلبية، أعلن رئيس اتحاد النقابات السياحية ونقيب أصحاب الفنادق، بيار الأشقر، عن "حصول إلغاءات كبيرة في حجوزات القادمين إلى لبنان، وكذلك في حجوزات الفنادق"، مشيرًا إلى أن "القطاع السياحي برمّته يعيش حالة من التشاؤم، ونأمل في أن تنتهي الحرب القائمة بين إيران وإسرائيل بسرعة، إذ لم يبقَ أمامنا سوى انتظار أعجوبة".

فوضى الملاحة الجوية

أحد أبرز أسباب تهديد الموسم السياحي في لبنان هو الفوضى العارمة التي تشهدها حركة الملاحة الجوية في الشرق الأوسط، وإلغاء عشرات الرحلات إلى لبنان التي تراجعت بحدود 60 %، وإعلان شركات الطيران وقف خطوطها إلى مطار بيروت.

من جهته، كشف رئيس نقابة أصحاب مكاتب السياحة والسفر، جان عبود، أن "عدد الوافدين إلى مطار رفيق الحريري الدولي كان يُقدّر قبل يوم الجمعة بما بين 12 و13 ألف شخص يوميًا"، لافتًا إلى أن "معظم الوافدين حاليًا هم من اللبنانيين المقيمين في الخارج أو العالقين خارج البلاد".

وأكد عبود أنه "على صعيد الحجوزات إلى الخارج والتي كانت مقررة خلال تموز/يوليو وآب/أغسطس تم إلغاء ما بين 30 و40% منها حتى الآن"، مشيرًا إلى أنه "كلما إقتربنا من موعد الحجوزات سيزداد عدد الإلغاءات أكثر فأكثر".

لا حرب بلا أثمان

ربما تكون هذه المرة من المرات القليلة في المنطقة التي يقف فيها لبنان متفرّجًا، بعدما اعتاد على دفع أثمان كبيرة لصراعات الآخرين على أرضه. إلا أن موقعه الجغرافي يفرض عليه أن يتأثر بكل الأحداث المحيطة فيه، وأن يتلقّى جزءًا من تداعياتها السلبية وأن يتكبّد بعض أثمان الحروب الاقليمية. وستكون الأيام المقبلة مفصلية حكمًا في تاريخ المنطقة، وبطبيعة الحال لبنان.