لم ترتقِ العلاقات بين لبنان وسوريا الى المستويات المأمولة بعد، برُغم مضي ما يزيد عن 170 يوماً على تولّي الرئيس أحمد الشرع المسؤولية بعد التغييرات الهائلة التي حصلت في سوريا، وما يقارب الـ140 يوماً على عودة الانتظام الى المؤسسات الدستورية اللبنانية بانتخاب العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية. 

والمعلوم في هذا السياق يكفي للدلالة على وجود اختلال كي لا نقول أزمة. لكن بالتأكيد هناك غير المعلوم في السياق ذاته، ولا نريد الغوص في تحليل ما توفَّرَ من معطيات، في ضوء قرارات مفوضية اللاجئين بتوقيف الخدمات الطبية عن النازحين في لبنان، وبعد زيارة المبعوث الأُممي غير بيدرسون لبيروت. علماً أن الجميع يتطلعون الى تعزيز العلاقة بين البلدين الشقيقين، أو "البلدين المؤلفين من الشعب الواحد" وفق تسمية بريئة بالشكل، ومُغرِضة بالمضمون، كان يستخدمها بعض الطامعين من رؤساء النظام البائد في سوريا.

لم يحصل بين سوريا ولبنان بعد نجاح الثورة؛ ما حصل من انفتاح بين سوريا وبين عدد من الدول العربية والإقليمية والدولية، وبقي التواصل في حدهِ الأدنى، رغم المجهودات التي بذلتها السعودية، ورغم مساعي رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام من خلال زيارته لدمشق ولقائه أكثر من مرة مع الرئيس الشرع والمسؤولين السوريين. ولقاء الرئيسين عون والشرع على هامش القمة العربية المُصغرة في 4 آذار/مارس الماضي، في القاهرة؛ كان بروتوكولياً، أكثر مما كان جلسة عمل، رغم التطرق لبعض العناوين في اللقاء.

الواضح للمراقبين أن العلاقات بين الدولتين الجارتين؛ لا تسير كما تفرضه وقائع الجغرافيا السياسية وديمغرافيا القربى والنزوح، ولا وفق الخصائص الاقتصادية ذات الطبيعة المُميزة. وغالبية اللبنانيين التواقين لزيارة سوريا كفريضة عاطفية متجذِّرة في ذاكرتهم؛ لم يقوموا بالمهمة حتى الآن، ويمكن القول إن زيارات شريحة من المحظيين أيام النظام السابق؛ كانت أكثر كثافةً من زيارات يومنا الراهن، وهناك خشية من الوضع، او ترقُب لمآلاته في سوريا، تدفع اللبنانيين إلى الاستمهال في الاندفاع نحوها، سواءً بهدف السياحة والاستفقاد، أو بهدف الاستثمار، وبعض الأخبار التي تصل إلى آذان اللبنانيين عن أحداث أمنية تحصل، وعن وجود مجموعات مُتشدِّدة وخارجة على القانون تهاجم المطاعم والفنادق؛ ثُير الريبة.

أما السوريون المقيمون في لبنان، أو النازحين إليه بسبب الأحداث الأليمة التي عاشتها بلادهم خلال الـ14 سنة ماضية؛ فغالبيتهم لا يحركون ساكناً سعياً للعودة، والحكومة السورية الجديدة لا تقوم بأي خطوات جدية اتجاههم، ولا يكفي القول إن منازل بعضهم مُهدِّمة في سوريا وتحتاج لإعادة إعمار قبل عودتهم؛ لتبرير التخلِّي، ذلك أن اللبنانيين الذين هُدمت منازلهم من قبل العدوان الإسرائيلي في الجنوب وغير الجنوب عادوا إلى مناطقهم، وبعضهم سكن الخيام بانتظار إعادة الإعمار. ولبنان تحمَّل من فاتورة الأحداث السورية ما لم يتحمله أي بلد آخر، بينما عودة النازحين السوريين من تركيا ومن الأردن بدأت تسير بخطوات معقولة. ولا يعني التطرُّق الى هذه الوضعية، انتقاداً لعملية العودة، او محاباةً لأي خطاب عنصري يستهدف السوريين من بعض أوساط التطرف اللبناني، لكن المصلحة العليا للبلدين الشقيقين، تتطلب المصارحة، والمسؤولية تفرض عدم تجاهل الوقائع المُؤلمة، بينما يتم التركيز على قضية واحدة من الملف، وهي الموقوفين السوريين، وبعضهم ربما يكون من "المظلومين" في سجن رومية، وهي قضية مُحقة ولا بد من معالجتها بأسرع وقت، وفقاً للأصول القانونية المعتمدة.

ومن نافل القول لدى المراقبين، أن الحماسة السورية لعودة العلاقات مع لبنان الى أوضاعها الطبيعية المُتميزة، ليست على القدر الكافي، برغم الإيجابية التي أبدتها الإدارة السورية الجديدة في سياق معالجة موضوع مكافحة تصنيع المخدرات وضبط التهريب على الحدود، كذلك في بعض الملفات الاقتصادية المشتركة، وأهمها الموافقة على إعادة تشغيل خط جرّ النفط من مدينة كركوك العراقية إلى مرفأ طرابلس اللبناني عبر أراضي سوريا. ولم يُبادر أي وفد سوري رفيع المستوى لزيارة لبنان منذ سقوط النظام، برغم الزيارات المتكررة التي قام بها مسؤولون رسميون وحزبيون لبنانيون إلى دمشق خلال تلك الفترة. بينما تضجُّ وسائل الاعلام بالكلام عن ترحيل ناشطين فلسطينيين من سوريا إلى لبنان، بموجب اتفاق حصل خلال التواصل المباشر – أو غير المباشر – بين الإدارة السورية الجديدة وإسرائيل، من دون أن يحصل أي تأكيد أو نفي لهذه المعلومات من الجهات الرسمية.

لا يمكن اعتبار ما حصل منذ سقوط النظام السوري السابق حتى الآن في سياق العلاقة المُتباطئة بين لبنان وسوريا، بأنه أمر طبيعي، والانشغالات لا تُبرِّر الإخفاقات، وواقع الحال يؤكد وجود مخاوف عند الطرفين - أو عند طرف واحد على الأقل – يمنع الاندفاع نحو مُربعات مُتقدمة. ويمكن ملاحظة وجود حذر شديد عند المسؤولين السوريين، وربما خوف من تكرار تجربة تدخل حزب الله الى جانب معارضي الحكومة الجديدة، بينما تتزايد الخشية لدى بيئة حزب الله من تمدُّد تجاوزات الخارجين عن القانون في سوريا إلى مناطق نفوذ الحزب. العلاقة بين البلدين يجب أن تكون أفضل، وتأجيل المصارحة ليس في مصلحة أحد.