ريما صليبا لألترا صوت: قرار مفوضية اللاجئين بمثابة إعدام للبنان... ومشهد كارثي بعد ٦ أشهر
قرار صادم... مفوضية اللاجئين تترك مليون نازح سوري في لبنان ضحية الأمراض والأوبئة
30 أيار 2025
11:23
Article Content
أعلنت مفوّضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) فكّ ارتباطها مع النازحين السوريين في لبنان، حيث أبلغت وزارة الصحة، بشكل مفاجئ، بأنها ستوقف التغطية الاستشفائية للنازحين المقيمين على الأراضي اللبنانية، والدعم المُقدّم لمختلف مراكز الرعاية الصحية الأولية، ابتداءً من تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.
يأتي هذا القرار الأممي ليشكّل صدمة للدولة اللبنانية، من دون تقديم أي بديل لضمان تأمين الخدمات الصحية لأكثر من مليون نازح سوري، وفي ظل عجز وزارة الصحة اللبنانية عن سدّ هذا الفراغ، بعد سنوات من أزمة اقتصادية حادّة ضربت النظام الصحي، الذي بدأ للتوّ باستعادة عافيته، ومن شأن هكذا خطوة نسفه من جديد.
انسحاب المفوضية
تبرّر مفوضية شؤون اللاجئين هذا القرار بالتراجع الكبير لتمويلها، لا سيما بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بوقف كل المساعدات الأميركية الخارجية، بما في ذلك تلك المخصّصة لـ (UNHCR).
يأتي هذا القرار الأممي ليشكّل صدمة للدولة اللبنانية، من دون تقديم أي بديل لضمان تأمين الخدمات الصحية لأكثر من مليون نازح سوري
مع الإشارة إلى أن عمل المفوضية في لبنان يشهد تراجعًا كبيرًا في السنتين الماضيتين، ما ظهر بشكل لافت في التخفيض الكبير بأعداد موظفيها، كما حصر أعداد المستفيدين من خدماتها، ليصبح 44796 مريضًا في العام 2024، بعدما وصل إلى 60353 في العام 2023.
يُعتبر قرار المفوضية انسحابًا من ملف رعاية النازحين السوريين، من بوابة الصحة، ما قد يعكس إرادة دولية أكبر، ربما تنحسب على ملفات أخرى في التعليم وسواها.
قلق لبناني
يبدو لبنان عاجزًا أمام المعضلة الجديدة، حيث شددت مصادر صحية رسمية عبر "الترا صوت" على عدم قدرة وزارة الصحة بأي شكل من الأشكال على تغطية غياب مفوضية اللاجئين. فالمبلغ المطلوب سنويًا لتغطية نفقات النازحين الصحية يصل إلى حدود 20 مليون دولار، ومن المستحيل أن يتمكن لبنان من تأمين هذا المبلغ من خزينة الدولة.
هذا وتشير المصادر الصحية إلى أن هذه المهمة ليست من مسؤولية لبنان، وعلى المجتمع الدولي، لا سيما الأمم المتحدة، تحمّل مسؤولياتها وإيجاد مصادر بديلة للتمويل.
تسريع العودة؟
تكمن الثغرة الأساسية أن هذه الخطوة لم تترافق مع خطة لبنانية سورية، برعاية أممية، لتوفير عودة آمنة وكريمة للنازحين الى سوريا. مع العلم أن الحكومة اللبنانية تحضّر خطة لإعادة حوالى 400 ألف نازح، إلا أن إنجازها سيحتاج حكمًا إلى ضوء أخضر سوري، إلى جانب توفير دعم مالي لهؤلاء بعد عودتهم إلى بلادهم.
وكان رئيس لجنة الصحة النيابية بلال عبدالله قد علّق بأنه "لو أتت هذه الخطوة ضمن سياق عام لمعالجة هذا الملف المرهق للبنان، وبالتنسيق مع الدولتين اللبنانية والسورية، تحضيرًا لعودة السوريين إلى وطنهم بعد زوال الأسباب السياسية التي فرضت خروجهم من سوريا، لكان الأمر طبيعيًا ومنطقيًا وضروريًا"، مضيفًا: "إن وضع جدول زمني لهذه المسألة مرتبط بآلية متفق عليها للعودة، ومنسقة بين الدولتين والجهات الدولية، ومنها مفوضية اللاجئين، وأما اجتزاء الملفات، والبدء بالموضوع الأكثر وجعًا وألمًا وتأثيرًا على الانسان، فانها مسألة خطيرة وتناقض كل المواثيق والأعراف الدولية لحقوق الانسان. لذا فإن الخطة المتكاملة لعودة السوريين لبلدهم، هي أمر ملح وضروري ومسؤولية مشتركة، ومن غير المنطقي ان يكون المواطن السوري هو الضحية، وأن يتحمل لبنان وحيدا هذا العبء الكبير".
تتشارك غالبية القوى السياسية اللبنانية، كما لبنان الرسمي، بهذا الموقف. حيث اعتبر وزير الصحة اللبناني ركان ناصر الدين أن "وقف الدعم سيشكل حافزًا لعودة النازحين"، مشددًا على أن "الفترة الانتقالية تحتاج تمويلًا من الجهات المانحة".
انتشار الأمراض والأوبئة
حذّرت رئيسة جمعية "نضال لأجل الإنسان" ريما صليبا، في حديث لـ"الترا صوت"، من تداعيات خطيرة لقرار مفوضية اللاجئين لا سيما تفشي الأمراض وانتشار الأوبئة وانتقالها الى المجتمعات المضيفة اذا لم يتم إيجاد علاج فوري لها، وبالتالي سيكون المجتمع بأكمله عرضة للأوبئة والأمراض.
ومن الأمور التي ستشهد نقصًا أيضًا لقاحات الأطفال والأدوية ومتابعة الملفات الصحية والنفسية. وتابعت "لذلك ندقّ ناقوس الخطر وعلى الدولة أن تكون جازمة برفض فرض هذا الواقع على لبنان، وعلى الحكومة اللبنانية أن تقول كلمتها بقوة".
وأشارت صليبا إلى أن "مساعدات مفوضية شؤون اللاجئين كانت تغطّي المرضى والعمليات الجراحية، كما الولادات التي نالت حصة كبيرة من الخدمات الصحية، وتوقّفها سيكون كارثي على لبنان بعد 6 أشهر.
ونبّهت من أن "أي تأخر بالوصول الى الخدمات الصحية للنازحين سيطال حياتهم وحقهم بالحياة وبالوصول الى العلاج. في الوقت نفسه لا بد من إيجاد الحل الجذري لهم وهو تنفيذ خطة العودة الموجودة، والتي تحتاج الى قرار سياسي لا مهرب منه".
وفيما لفتت إلى أن لبنان بلد مريض وبدأ للتو برحلة التعافي، حذّرت صليبا من أن "أي إرهاق إضافي على عاتق وزارة الصحة سيضرب كل المشاريع التطويرية للوزارة وسيدفع ثمنه اللبنانيون وسينعكس سلبًا على الروزنامة الطبية الشاملة التي انتظروها طويلًا. إن كان على مستوى تلقيح الأطفال أو الولادات أو العلاجات، وتوقفها سيجعلنا أمام كارثة كبيرة، حيث ستصبح الولادات في خيم أو منازل، وتلقيح الأطفال سيتم بشكل عشوائي ودون المعايير الدولية".
واستطردت "هذا الكلام لا يعني تحميل النازحين مسؤولية إضافية، انما هم فئة من المظلومين والمهمشين ويجب عدم تركهم، وعلى الجمعيات الحقوقية رفع الصوت. في الوقت نفسه يجب تطبيق القانون ومَن لا يستوفي حق الإقامة في لبنان يجب إعادته الى بلده، وهذا حق مشروع. وإجراء حوار سريع بين الدولتين اللبنانية والسورية لاستقبال النازحين واستقبالهم".
مسؤولية الأمم المتحدة
أمام هذا الواقع المقلق، تساؤلات كبيرة على دور الأمم المتحدة المعنية الأول بإغاثة اللاجئين، والتي تولّت هذه المهمة منذ 15 عامًا.
وتعتبر صليبا أن "الأمم المتحدة قادرة على إيجاد موارد من حيث تراه مناسبًا. وعليها استكمال توفير هذه الخدمات أو تأمين التمويل بالطريقة التي تراها مناسبة من الدول الأوروبية أو العربية لاستمرار التغطية الصحية للنازحين. والموضوع ليس فقط اجتماعيًا إنما سياسيًا بالدرجة الاولى، لأن إعادة النازحين الى بلادهم أمر أساسي وضروري وملحّ، لا سيما بعد الأزمة الجديدة التي أضيفت الى وضعهم الكارثي. لذلك لا بد من المضي بخطة العودة وتنفيذها بعناية، ورفض لبنان أن يتعرض لأي ابتزاز من أي جهة".
وفيما رأت أن "هذا العبء تتحمل مسؤوليته الدولة اللبنانية وكيفية تعاطيها مع الملف في المرحلة السابقة، عندما قررت التغاضي عن ضبط الحدود وتحوّل النزوح من سياسي الى اقتصادي"، شددت على أن "المسؤولية الأكبر لوصول لبنان الى هذا الوضع تتحملها المجموعة الدولية والأوروبية، لمّا لم تأخذ بعين الاعتبار مصالح لبنان وأعطت الأولوية لمصالح الدول الأوروبية بعدم وصول النازحين الى حدودها وأراضيها. اضافة الى رفض النظام السوري السابق إعادتهم طوال السنوات الماضية ما زاد من الضغط على لبنان الذي ما زال يعيش التداعيات حتى اليوم".
وتؤكد صليبا أن "لبنان ليس مسؤولًا عن معالجة هذه الأزمة، إنما في الوقت نفسه لا يستطيع أن يتخلى عن دوره الإنساني والأخلاقي. لكن التداعيات الخطيرة إذا لم يتم إيجاد حل للموضوع فهو بمثابة إعدام اضافي للبنان خصوصًا لبنان الجديد الذي ننتظره وبدأ يتعافى".
قرار جريء
أعاد القرار الأممي الصادم ملف النازحين إلى الواجهة، لا سيما في الدول المجاورة لسوريا التي تحمّلت العبء الأكبر طوال السنوات الماضية. ما يستدعي اتخاذ قرار جريء من الدولة السورية بإدارتها الجديدة، لفتح أبواب سوريا لأبنائها اللاجئين ووضع حد للمأساة الانسانية التي ارتكبها النظام السابق، ومن المفترض أن يكون وصول الحكم الجديد بمثابة نهاية لمعاناة السوريين وإعادتهم من الشتات.
وبعد مرور 6 أشهر على سقوط نظام الأسد، هل ستختم الدولة السورية، ولو بنسختها الانتقالية، هذا الجرح؟
إعلان
يتم عرض هذا الإعلان بواسطة إعلانات Google، ولا يتحكم موقعنا في الإعلانات التي تظهر لكل مستخدم.