Advertise here

"شهيًّا كفراق"! عنوانٌ لا يشبه العناوين لكتاب لا يشبه الكتب!

06 كانون الثاني 2019 19:00:34

هو عنوانٌ يثير في القارئ مجموعة تساؤلات حول مسلّمات اعتاد كلٌّ منّا اعتبارها أمرًا حتميًّا لا يمكن الجدال فيه، وإذا به أمام فكرة من نوع آخر، غريبة، غير اعتيادية، مُلفتة وجدليّة، فكيف يمكن لفراق أن، يكون شهيًّا؟ وكيف يمكن لما اعتدنا دومًا اعتباره خسارة أن نحوّله مكسبًا؟ وما كان مرًّا أن يصبح لذيذًا، بل ومرغوبًا؟ هو عنوانٌ يدعونا إلى ساحة نزال فكريّة بين موروث استأنسنا به، وجديد طارئ يهدّد ما نعرفه ليُغرقنا في سيلٍ من الضّياع.
   هو عنوانٌ يشدُّ القارئ لاكتناه ذلك الغريب في طيّات كتاب ليس من السّهل تصنيفهُ! فهو ليس رواية رغم ما فيه من عناصرها السّرديّة، من حبكتها وشخصيّاتها وتشويقها، وليس سيرة ذاتيّة رغم ما فيه من حقائق ووقائع وذكرٍ لأسماء أدباء يفتخر بهم العرب، وأسماء أماكن حقيقيّة مع ظهور الكاتبة بشخصيتها الحقيقيّة (أحلام مستغانمي)، وليس كتاب فلسفة رغم ما فيه من طروحات وأفكار تدعو القارئ للتّمعّن جيّدًا فيها، " النّفس البشريّة وتناقضاتها بين واجب الحكمة وتنازع الأهواء"، وثنائيّة الحرب والحبّ، وليس توثيقًا لمشاهد يعانيها العربيّ كلّ يوم في بلاد الهجرة رغم ما فيه من دخول إلى عمق المسألة وكشف ملابساتها من ألم ومعاناة وذلّ واستهانة وتخلٍّ من الحكّام العرب عن شعوبهم، وليس كتاب رسائل أدبيّة  كما عرفنا وقرأنا رسائل جبران خليل جبران ومي زيادة أو غسان كنفاني وغادة السّمّان إلى آخرين غيرهم. نعم تضمّن الكتاب رسائل، لكنّها بإطار مختلف عمّا اعتدناه، إنّها قالبٌ اعتمدته الكاتبة للتّعبير عن أفكارها، فجعلتها إناءً ينضح بطيب صداها وفحواها، تلامس الرّوح وتدخل ثنايا الذّهن فتستقرّ وتتموضع تاركةّ أثرّا لا يُمحى في معايير التّفكير والسّلوك والتّصرّف، وربّما ليس من المبالغة القول إنها تحمل توصيّات خفيّة بإعادة النّظر في المسلّمات إلى درجة اعتبار الفراق جميلًا وشهيًّا! 
  إنّ كتاب الأديبة الجزائريّة أحلام مستغانمي"شهيًّا كفراق" يضع الإصبع على الجروحات البشريّة بشكل عامّ والعربيّة بشكل خاصّ من نواحٍ عديدة: البطالة والفقر والحاجة والمذلّة والغربة القسريّة والزّيف والدّجل، والحبّ بآلامه وآماله، والقدر والصّدفة بمواجهة القرار والتّصميم وغيرها من المسائل. إنّه كتابٌ يدفع القارئ الى التهام كلّ ما فيه بروح نَهِمة وعدم التّفريط بأيّ فكرة أو جملة أو تعبير من الغلاف إلى الغلاف!!!