رفع العقوبات عن سوريا: آثار اقتصادية وفرصة إقليميّة
19 أيار 2025
13:54
Article Content
تأتي خطوة رفع العقوبات عن سوريا، في جوٍّ داخليٍّ إيجابيّ يعيشه لبنان مع انطلاقة دور الدولة وموسساتها ومحاولة إعادة بناء كل ما تهدّم من هيبتها وسلطتها، وبالرغم من أن الطريق لا يزال وعر وطويل، والقلق مما يجري من تحوّلات في المنطقة موجود بشكل كبير وعميق، إلا أنه لا شك بأن خطوة رفع العقوبات تشكّل تحولاً استراتيجياً بالغ الأهمية يمتد أثره إلى عموم الإقليم ودول الجوار، وليس فقط الداخل السوري.
يعتبر عامر الشوبكي الباحث الاقتصادي المتخصص في شؤون النفط والطاقة في حديث لجريدة الأنباء الالكترونية أن هذا التطور لا يمثل فقط انفراجة سياسية، بل يفتح أيضا أبواباً اقتصادية غير مسبوقة لكل من سوريا والأردن ولبنان والعراق وتركيا، ويعيد تفعيل مشاريع إقليمية كانت معلقة لسنوات.
إذ باعتبار أن الكهرباء تُعدّ واحدة من أبرز التحديات اليومية التي تواجه المواطنين في سوريا ولبنان، حيث تشهد هذه الدول انقطاعات مزمنة بسبب تدمير البنية التحتية وعدم توفر الوقود الكافي للتوليد، فإن رفع العقوبات سيتيح استيراد الكهرباء والغاز عبر الأردن، الذي يملك فائضاً في الإنتاج وبنية تحتية جاهزة. ذلك أن "الشبكة الكهربائية الأردنية متصلة فعلياً مع الجنوب السوري ولبنان، علما أنه قبل عام 2011، كان الأردن يزود دمشق بالكهرباء، أما الآن يمكن للأردن استئناف هذا الدور فوراً، بما يُخفف من معاناة الشعوب، ويسهم في تعزيز الاستقرار المحلي الاقتصادي داخل الدول" بحسب الشوبكي.
وفي هذا السياق، قال وزير المالية اللبناني ياسين جابر في بيان بعد رفع العقوبات، إن "قرار رفع العقوبات عن سوريا يشكّل أيضاً دفعاً ايجابياً في انعكاساته على مستوى ما يقوم به لبنان من تحضيرات لتأمين عبور النفط العراقي الى مصفاة طرابلس وخط الفايبر أوبتيك وكذلك لخط الربط الكهربائي الخماسي وتأمين نقل الغاز والكهرباء من مصر والأردن إلى لبنان"، والاتصالات بدأت بهذا الشأن.
بعد سنوات من الأزمات المتلاحقة، من المتوقّع أن تساهم خطوة رفع العقوبات عن سوريا في تخفيف حدّة انقطاع التيار الكهربائي ونقص الوقود، إذ سيستعيد لبنان منفذًا آمنًا لاستيراد الغاز والكهرباء مما ينعكس بلا شك إيجابًا على القطاعات الحيوية والمواطنين.
على صعيد اللاجئين السوريين، قد تشكل هذه التطورات بارقة أمل جديدة، فبحسب ما يقول الشويكي "ففي الأردن ولبنان وتركيا، التي تستضيف مجتمعةً ملايين اللاجئين، يمكن أن تُترجم التحسينات في الخدمات والبنية التحتية بسوريا، إلى عودة تدريجية للبعض، خاصة بعد سنوات من التردد بسبب غياب الضمانات الأمنية والاقتصادية، بالرغم من أن العديد من الخبراء يحذرون من أن العودة الجماعية غير مرجحة في المدى القريب، بما أن تقديرات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) إلى أن 90% من السوريين في دول الجوار يعيشون تحت خط الفقر، وأن معظمهم يربطون العودة بضمانات حقيقية للإسكان والعمل والخدمات الأساسية، وهو ما يتطلب رفع العقوبات الغربية بأسرها أولاً وإطلاق برامج إعادة إعمار شاملة.
وأيضا، فالتأثير على دول الجوار موجود بشكل كبير، إذ يشير الشوبكي إلى أن يُعتبر العراق من المستفيدين الرئيسيين حيث سيساهم استقرار سوريا المجاورة في تخفيف الضغط الناجم عن تدفق النازحين السوريين، الذين يشكلون عبئًا على البنية التحتية والموارد العراقية المحدودة أصلاً. أما تركيا، فستحقق مكاسب اقتصادية ملموسة عبر عودة التوازن إلى المعابر الحدودية وازدهار حركة التجارة مع جنوبها، مما يعزز موقعها كحلقة وصل تجارية بين أوروبا والشرق الأوسط. إذ تظهر البيانات الرسمية أن الصادرات التركية إلى سوريا بلغت 2.2 مليار دولار العام الماضي، في حين بلغت الواردات من سوريا 437 مليون دولار، بينما تهدف تركيا إلى وصول حجم التبادل التجاري مع سوريا إلى 10 مليارات دولار على المدى المتوسط.
ختاماً، هي فرصة تاريخية يجب ألا تُهدر، وعلى الحكومات العربية المنضوية تحت هذا التأثير أن تتحرّك لتفعيل فرص إستعادة دورها الإقليمي عبر مشاريع مستدامة تكامليّة، إذ إن رفع العقوبات عن سوريا يُنهي عزلة طالت، وكما أنه يمنح الشعب السوري بارقة أمل لاستعادة حياته الطبيعية تدريجياً، يتيح أيضا للبنان ودول الجوار استعادة أدوارها الإقليمية في الطاقة، والنقل، والتجارة، والاستثمار وغيرها.
إعلان
يتم عرض هذا الإعلان بواسطة إعلانات Google، ولا يتحكم موقعنا في الإعلانات التي تظهر لكل مستخدم.