وليد جنبلاط قطع رأس «الأسرلة»
17 أيار 2025
05:54
آخر تحديث:17 أيار 202505:53
Article Content
«هذا هراء في هراء، نحن علينا أنّ نكثّف المواجهة الثقافية والسياسية، في دحض تلك الأفكار المخرّبة»، بهذه الجملة، ردَّ وليد جنبلاط على سؤال، طرحته عليه، عن موقفه من الأفكار التي تروّج الخصوصيّة الدرزيّة، كطائفة مستقلة، لا عربية ولا إسلامية.
يُضيف جنبلاط، من منزله في كليمنصو، في ذاك اليوم من تموز العام 2022: «نصرّ وندحض كل النظريّات الفرنسية واليهودية التي تقول إنَّ الدروز من بقايا الصليبيين»، ويردف بالقول: «هناك نظرية في إسرائيل تدّعي أنَّنا جزءً من قبيلة الأشكيناز اليهودية، ولكن هذا ليس إلا إختراعا لسلخ الدروز عن محيطهم العربي، ولتفتيت المنطقة إلى قبائل».
لم يكن هذا الكلام الذي نُشر ضمن مقابلة خاصة مع الزعيم وليد جنبلاط، يُقلق سامعيه من الطائفة المعروفيّة، في العام 2022. الأكيد أنَّ كثراً سمعوا هذا الإنذار، لكنَّ قلَّة مُتيقظة ربما فهمت ما قصده، جنبلاط الذي استحق لقب آخر الكيانيين العرب.
لم تكن عندها الآلة المستحدثة لأسرلة الدروز – أي جعل الدروز إسرائيليين – قد ظهرت بكل وقاحتها وحساباتها الإلكترونية الوهميّة التي تكتب روايات كاذبة، تُحوَّر فيها الحقيقة، وتدفع الدروز إلى الانتحار.
إلا أنَّ هذا المشروع الذي حذَّر منه وليد جنبلاط في صيف الـ2022، سرعان ما ظهر إلى العلن، ليطال اللبنانيين والسوريين، في الوقت نفسه. وفي أعقاب سقوط نظام بشار الأسد، خطا مشروع الأسرلة في سوريا خطوات دراماتيكية على الأرض ترافقت مع كشف صحيفة «وول ستريت جورنال»، عن تخصيص حكومة نتنياهو مبلغاً وقدره مليار دولار، لدفع دروز سوريا نحو الإنفصال عن دمشق، وتشكيل حكم مستقل في الجنوب السوري، وتفتيت الجغرافيا السورية، وجعل المناطق الجنوبية القريبة من حدود إسرائيل منزوعة السلاح.
هذا المشروع وهذا المبلغ، تحدَّث عنه كبار الوزراء الإسرائيليين أنفسهم. أما على الأرض فكان التحرّك الإسرائيلي السريع في محافظة السويداء، وابلٌ من الأكاذيب الإسرائيلية، ولعبٌ على وتر المقارنة بين الدروز في إسرائيل والدروز في سوريا، ودعم لشخصيات أعطيت أوامر لمقارنة معيشة المجتمعين في الدولتين وزرع الخوف من الآتي وطلب الحماية الدولية، وكـأن الدروز في سوريا لقمة سائغة، لا قدرة لهم على الإنخراط في عملية تكوين دولة جديدة، ولا انتماء لهم يدفعهم للتشبّث بهويتهم السورية، ولا حكمة لديهم أو جرأة لضمان حقوقهم والمطالبة بما يريدون!
انفلاش مشروع الأسرلة، الذي يتخطّى مَن يجلس في دمشق، والدروز في سوريا، ليطال بني معروف كلّهم، دفع وليد جنبلاط ليكون الزعيم الأول الذي يبحث المرحلة مع الرئيس الانتقالي آنذاك، أحمد الشرع في قصر الشعب.
كُثُرٌ لم يفهموا زيارة وليد جنبلاط وقتها، التي أتت حرصاً على وحدة الاراضي السورية من الحسكة شمالاً، إلى درعا جنوباً، وتقديرا لنجاح الشعب السوري في الاطاحة بالمجرم. سألت جنبلاط يومها: هل تخشى على السويداء؟ فلم يُخف امتعاضه من السؤال الذي لا يطرح على وليد جنبلاط، بكل ما يُمثّل من قيادة عربية، حريصة على تماسك الجغرافيا السورية، كحرصها على تماسك لبنان، من دون أن يكون ذلك على حساب الانتماء العربي.
بعد لقاء جنبلاط الشرع الأول، قيل الكثير من الانتقادات، إلا أنَّ قلَّة قليلة من الدروز في لبنان، كانوا على علم باستجابة الحزب التقدمي الاشتراكي لمطالب دروز سوريين وطنيين وقفوا في وجه «تسونامي الأسرلة» في الجنوب السوري، الذي وصلت تجلّياته حدَّ امتناع إحدى المرجعيات الروحية السورية عن حضور فعاليات الذكرى الـ43 لرحيل سلطان باشا الأطرش، في أدقّ مرحلة تتطلب تأكيد الدروز على حقيقتهم ومتانتهم السورية.
تلك المرجعية، سعت أيضا لإحتكار الصوت الدرزي، في بيئة وطنيّة متعلّمة ومثقّفة، كانت أطاحت بأجهزة الأسد قبل الثامن من كانون الاول 2024، لا ليأتي غيره محتكرا للصوت والتمثيل!
أولئك كان لي شرف لقائهم في السويداء، فرأيتهم متيقظين لما يُحاك، وممتعضين من عسكرة المجتمع الذي صار فيه حمل السلاح كحمل الهاتف، بعد أن أُبعد الجيل الجديد عن العلم والتعلّم، في خطة، يتقاطع فيها بشار الأسد مع نتنياهو، الذي لا يريد من الدروز في إسرائيل وسوريا إلا أن يكونوا حاملي سلاح، يدافعون عن أمن الدولة العبرية.
مشروعٌ كبير، قديم جديد، وقف وليد جنبلاط والدروز الوطنيون في وجهه، من دون استسلام. وقعت الواقعة في صيدنايا وأشرفيتها وفي جرمانا والسويداء، فالمليار دولار التي وضعت للاستثمار في الملف السوري، فعلت فعلتها! مع ذلك، لم يستسلم جنبلاط ومعه الغالبية من الدروز في المناطق السورية كافة. فكانت النداءات السورية الدرزية الرافضة لخيار الحماية الإسرائيلية، التي هي في عمقها، مقدمة لترحيل دروز ريف دمشق الى الجنوب السوري وإقامة نظام حكم مستقل عن العاصمة، يقوده نتنياهو عبر شَيخَين.
اليوم، وبعد الإعتراف الأميركي الرسمي، بحكم الرئيس السوري أحمد الشرع، قد تكون التحوّلات أتت نتيجة موافقة سوريّة دمشقيّة للانضمام الى إتفاقيات إبراهام. ولكن، ليست تلك الاتفاقيات التي تهمّ، فهي أصلا شأن سوري بل ما يهمّ، هو قطع رأس «الأسرلة» ومشروع دفع الدروز إلى الموت، لا في سوريا فحسب، بل في العالم العربي كلّه!
مشروع أسرلة دروز سوريا، هو الذي أسقطه الوطنيون السوريون ومعهم وليد جنبلاط، الذي لم يدّخر جهدا عربياً أو إقليمياً لصون مكانة طائفة، وقفت في وجه الحملات الصليبية، والاستعمار الفرنسي، والهجمات الإسرائيلية، ودافعت عن السيادة العربية. طائفة سكنت الجبال، فحمت تلك الثغور، صلَّت في مكَّة، وناضلت في دمشق وفلسطين، وحيَّت الرياض، كما قال أحد أبرز العلماء الدروز في القرن العشرين عجاج نويهض.
تبقى كلمة أخيرة، ندرك أنَّ مشروع الأسرلة لم ينته، لتلك الأفعى رؤوس كثيرة.
إعلان
يتم عرض هذا الإعلان بواسطة إعلانات Google، ولا يتحكم موقعنا في الإعلانات التي تظهر لكل مستخدم.