جنبلاط بين ابن خلدون وشكيب ارسلان... حكمة الجدّ بلسان الحفيد
03 أيار 2025
12:31
Article Content
يوم ذهب وليد جنبلاط الى دمشق في زيارة الى أحمد الشرع، القائد العام لإدارة العمليات العسكرية آنذاك، حمل في يده هدية، تاريخ ابن خلدون، "كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر"، لجده أمير البيان، الأمير شكيب ارسلان.
ولطالما كان خلف كل كتاب يهديه جنبلاط رسالة، والمتلقي يجب ان يكون لبيباً ليفهمها. وليس المتلقي فحسب، إنما الرأي العام بأسره، الذي يجب أن يلتقط فحوى الرسالة.
في ذاك اليوم، لم تكن زيارة جنبلاط فقط لتهنئة الشرع، وهو القارىء للمستقبل من باب التاريخ، والجمع بين إبن خلدون وشكيب ارسلان يختزن دلالات كبرى.
يعد الأمير شكيب إرسلان من أبرز دعاة الوحدة العربية والإسلامية في حقبة تاريخية هيمن فيها الانقسام، كما كان نضاله في وجه المستعمر ينضوي تحت راية النضال الوطني والقومي.
أما ابن خلدون، فهو أحد أبرز المفكرين في التاريخ الإسلامي، والذي يُنسب إليه أنه وضع علم الاجتماع، اذ توصل إلى نظريّات حول قوانين العمران ونظرية العصبية، وبناء الدولة وأطوار عمارها وسقوطها. ومن بين أبرز ما قاله إبن خلدون: "إن الأمة إذا غُلبت وصارت في ملك غيرها أسرع إليها الفناء"، وإن "المغلوب مولع أبداً بالاقتداء بالغالب".
وبين فكر ارسلان السياسي والعروبي والثقافي وبين مفاهيم ومرتكزات إبن خلدون، انبثقت مقدمة وليد جنبلاط السياسية لمرحلة ما بعد سقوط النظام السوري السابق، لا سيما أن ميزان التحوّلات لا يحاول فقط تبديل وجه المنطقة ودولها، لا بل العالم، لبسط معادلة جديدة.
وبين زمن شكيب ارسلان وزمننا تقاطع كبير لا يفقه به إلا القارىء الجيد للتاريخ. فارسلان الذي كانت مواقفه معروفة ناحية السلطنة العثمانية ورفضه القاطع للاستعمار الاجنبي قال في مذكراته: "طالما نفخ المفرّقون في نفير العصبية الجنسية، وحاولوا إثارة العرب على الدولة العثمانية بحجّة أنها دولة تركية. ولا يتمارى اثنان في كون انقلاب كهذا في بلاد العرب، لا يمكن أن يحصل بدون حرب داخلية دموية، فتأتي الدول الاستعمارية بأساطيلها، فيكون نزول عساكر الإنكليز في يافا لمحافظة الأمن في فلسطين، وعساكر الفرنسيس في بيروت لمحافظة سورية ولبنان".
أما في العام 1921، فنشر ارسلان مقالاً في جريدة الأفكار البرازيلية بعنوان "سورية عربية"، والتي أتت بعد انهيار الدولة العربية الحديثة في دمشق عام 1920، إذ ورد في مقاله: "قبل أن انجلى الأتراك عن سورية كان جميع أهلها عرباً ولم نكن نسمع فيها بسرياني أو عبراني إلا من قبيل العاديات (الآثار القديمة)... فلما خرج الترك وجاءت محلّهم دولة عربية تريد تحرير البلاد بإسم العرب وتنفي من يريد أن يغشى البلاد من غير العرب، جدّت عند بعض هذه الفئة القليلة من أهل سورية نغمة أننا نحن سريانيون غير عرب، وأن لغتنا هي السريانية وإنما غلب عليها اللسان العربي منذ قرون".
وبعد أكثر من مئة عام، ها هي حكمة الجد تنطق بلسان الحفيد! اليوم سوريا بكل مكوناتها أمام خطر وجودي، ولا تطال المخاطر الدروز فقط او المناطق ذات الاغلبية الدرزية. واستقرار سوريا من استقرار الشرق الاوسط وسلامة الأمن القومي للمنطقة. من هنا، يأتي ما حذّر منه ويحذر منه وليد جنبلاط. فالتاريخ ان حكى قال الكثير.. والعبرة في الفهم والادراك واتخاذ القرار الصائب !
إعلان
يتم عرض هذا الإعلان بواسطة إعلانات Google، ولا يتحكم موقعنا في الإعلانات التي تظهر لكل مستخدم.