الانتخابات البلدية والاختيارية ليست حرباً أهلية
27 نيسان 2025
08:17
Article Content
تنطلق مراحل الانتخابات البلدية والاختيارية الأربعة في محافظة جبل لبنان الأحد القادم 4 أيار، وتتوالى في الأسابيع التي تليه في البقاع وبيروت ومن ثمَ في الشمال وتُختتم في الجنوب والنبطية في 24 منه. ولهذا الاستحقاق أهمية لا يمكن التخفيف من شأنها، ولكنه يُعطىَ حجماً "سوسيوبوليتيكي" على غير مقاصد القانون، او أكثر مما ينبغي، ويستحضر البعض أدوات الصراع القديمة وتحريك العصبيات الطائفية والمذهبية والعائلية والغرائز، بينما تبرز مظاهر راقية في بعض الأحيان تُظهِّر صوراً جميلة عن استعدادات مُحببة لنُخب رجالية ونسائية، تُبدي الاستعداد للولوج الى مساحة العمل المحلي المُتعِب، انطلاقاً من رؤى تنموية وتطويرية فيها طموح واعد، ولو كانت بعيدة عن الواقع أحياناً.
قانون البلديات رقم 118/1977، كما قانون المختارين للعام 1947 وتعديلاتهما؛ مُهمان، ولا يقلِّل من شأنهما الاسترسال الذي يتحدث فيه البعض عن اللامركزية الإدارية المنشودة في اتفاق الطائف، ويمكن اعتبار هذه القوانيين قاعدة صلبة لهذه اللامركزية إذا ما رُفعت الوصاية الإدارية والأمنية والسياسية عن البلديات، حيث يمكن للقائمقام أن يجعل من رؤساء البلديات والمخاتير بمثابة الموظفين عنده أحياناً، كما يمكن لرئيس المخفر أن يكون أقوى من هؤلاء إذا كان مدعوماً، او لديه أهواء موروثة من منتصف القرن الماضي. وقانون البلديات يعطي صلاحيات للبلديات ولرؤسائها، ولكن غالبيتها حبراً على ورق، حيث لا إمكانية لهؤلاء بتطبيق غالبيتها، وقد فشلت غالبية البلديات في تحقيق انتظام مالي ينطلق من الجباية المحلية، بسبب الوهن او الخمول الذي يسيطر على آلية تنفيذ الجباية، وبسبب الأوضاع الاستثنائية التي مرَّت بها البلاد منذ ما يزيد عن 6 سنوات بعد جائحة كورونا والإنهيار المالي. وهذا لا يعني أغفال الإنجازات الهامة التي قامت بها بعض البلديات وسط هذه الظروف الصعبة، وهي واجهت مُعضِلة اخفاق الدولة بحل مشكلة النفايات بشجاعة، ونفذت بعض مشاريع التطوير والتنمية، برغم الحصار الذي طالها، بعد أن أوقفت الجهات الأجنبية المانحة التعامل مع البلديات، عندما صنفتها بعد انفجار مرفأ بيروت عام 2020 كجزء من مؤسسات الدولة الغير موثوق بها.
المهم أن الانتخابات ستجري بعد تمديد مهلة ولايتها 3 سنوات، والمجتمعات المحلية تتعاطى مع هذا الاستحقاق كأنه محطة لإبراز نفوذ الطائفة او العائلة "أو الجبَّ" (وهو فخذ من العائلة) لكن القانون لا يلحظ كل هذه التوصيفات، بل يعتمد على ديموقراطية عددية، وليس فيه أي كلمة عن المعايير والكفاءات العلمية والإختصاص، وما زال يتلطى تحت عباءة نظام "القوميسيون" العثماني الذي يشترط على المرشح معرفة القراءة والكتابة، ويمكن لهذا المرشح أن ينفُذ من هذا الشرط إذا حظيَ بواسطة لدى المرجعيات، وغالبية من القوى السياسية لا تملك خطة واضحة للتعامل مع الاستحقاق، فهي تعمل للتوافق في مكان، وتدفع بمرشحين ولوائح تنافسية في مكانٍ آخر، وكل ذلك يساعد في فتح الباب أمام نوع مؤلِم ومُظلم من التنافس، فيه حماوة غرائزية، تُهدِد الاستقرار المجتمعي أحياناً.
الاستحقاق البلدي محطة لتجديد "السلطات المحلية" ولدفع الانتظام نحو الأمام، ولإيصال نُخب قادرة على معالجة الملفات المحلية الشائكة، وجزء مهم من هذه الملفات له طابع إداري وتنظيمي، وصلاحية رئيس البلدية كونه "ذِمَّة" إدارية ومصدر للإفادات التي تؤسس لمعظم الحقوق العقارية والمالية وفي قطاعات المياه والهاتف والصرف الصحي والبناء؛ فائقة الأهمية، وهو ما يفرض أن يكون الموقع مع أشخاص ذوي سمعة طيبة، ويتمتعون ببعض الحِكمة والنزاهة، ومن غير هذه المواصفات لا يمكن لهم أن ينجحوا في إداء مهامهم، وقد يساهمون في تفعيل الاختلافات والتوتر في بيئتهم، حتى ولو كانوا مليئي الرؤى في الطموحات التنموية.
لا يمكن التسليم بكون الاستحقاق الانتخابي صراعاً وجودياً بين العائلات والمكونات، ولا حرباً أهلية باردة بين مناصري هذا المرشح أو ذاك، واعتماد النظام الديموقراطي في اختيار النُخب، يفرض القبول بنتائج هذا النظام برحابة صدر ورُقي، فدائماً في الانتخابات هناك مَن يربخ وهناك مَن يخسر، ولا ضير في مكانة كلا الفئتين، لأن القانون يُقيِّد صلاحية الفئة الأولى، كما أن القانون يفرض حماية الفئة الثانية من أي تعسُّف قد يطالها، والدولة مطالبة بتعميم ثقافة احترام القانون وفرض أحكامه بعيداً عن أي تأثير، ومكانة المواطن وحقوقه يجب أن تكون مُصانة بعيداً عن أي واسطة او استقواء، ومهما كانت نتائج الانتخابات.
الجميع مطالبون بالتعامل مع الانتخابات كمحطة عادية للتعبير عن الرأي بكل هدوء، وحرية الاقتراع حق لكل المواطنين من دون أي تمييز، والقوى السياسية مُلزمة بإحتضان الإرادة الشعبية والاستجابة لرؤيتها وتوفير بيئة مُناسبة لتصعيد النُخب القادرة والكفوءة، ورعاية الإستقرار المجتمعي، خصوصاً في مجال المساعدة بفرض احترام بعض الأعراف التي تفرضها الخصوصية اللبنانية التي ما زالت تستند الى الميثاقية والعيش المشترك، بإنتظار تحقيق نظام المواطَنة المدني بعيداً عن أي طائفيةٍ وتمييز.
إعلان
يتم عرض هذا الإعلان بواسطة إعلانات Google، ولا يتحكم موقعنا في الإعلانات التي تظهر لكل مستخدم.