اختلال التوازنات الاستراتيجية في الشرق الأوسط
26 نيسان 2025
05:39
Article Content
أظهرت الحروب والأحداث الأخيرة اختلالاً كبيراً في موازين القوى في المنطقة العربية خصوصاً، وفي الشرق الأوسط وشمال افريقيا على وجه العموم، وهذا الاختلال لن يكون لمصلحة الاستقرار في المدييَّن القريب والبعيد، ولن يخدم طموحات القوى المُهيمنة على الإطلاق، لأن الشعور العام لدى غالبية حكومات وشعوب المنطقة، ينحو بإتجاه تحميل إسرائيل المسؤولية عما يجري، وهناك لوم كبير على الولايات المتحدة، لأنها تنجرّ وراء أهواء المتطرفين في تل أبيب، من دون احتساب لنتائج تغييبها للشركاء الدوليين والإقليميين، وهؤلاء متفقون على أن السلام الشامل، لا يمكن أن يتحقَّق من دون توفير حلّ عادل لقضية الشعب الفلسطيني العادلة.
عند استعراض أهم الأحداث السابقة التي جرت في المنطقة؛ يمكن التأكيد على وجود الاختلال حالياً. لأن التعامل مع المحطات السابقة – بما في ذلك الحروب التي وقعت في قطاع غزة عام 2009 وعام 2012 – كان مختلفاً، من حيث الشكل ومن حيث التأثير عن الوضع الحالي، وكانت الأمم المتحدة حاضرة من خلال تأليف لجنة تحقيق بالمجازر التي ارتكبتها إسرائيل، وكذلك في مساعي الحل ووقف النار عن طريق اللجنة التي ضمَّت الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي وغيرها، ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) لم تتوقف عن رعاية شؤون النازحين والمنكوبين، بينما عملها معطل بالكامل اليوم، والفلسطينيون في قطاع غزة، وفي بعض مخيمات الضفة الغربية، يعيشون بؤساً إنسانياً قلَّ نظيره.
وقد نجحت إسرائيل في استدراج الولايات المتحدة، واستخدمتها عصاً غليظة تُهدّد بواسطتها كل مناوئي سياستها، وتل أبيب استباحت بآلتها العسكرية أجواء الدول المجاورة، من دون حسيبٍ أو رقيب، والمتطرفون الذين يسيطرون على حكومة نتنياهو، يدفعون بالأوضاع نحو انفجار شامل، لا يمكن توقُّع كامل نتائجه، لا سيما بعد أن تكشَّف المخطط الإسرائيلي الهادف لطرد سكان قطاع غزة من أراضيهم الى الخارج.
ويتبين أن الولايات المتحدة تبالغ في استخدام المنطقة كورقة استراتيجية في مواجهة منافسيها على الساحة الدولية، وهي لا تُعير أهمية لأي شراكة معهم، خصوصاً لنظرائها الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، والأمر ينطبق أيضاً على حلفائها في المنطقة العربية الذين يتعايشون بكَدَر بين مطرقة العدوان الإسرائيلي ومخاطره، وبين سندان المسؤولية الوطنية والعربية التي تفرض عليهم الدفاع عن شعوبهم ومساندة القضية الفلسطينية العادلة.
وبحجَّة مساندة إسرائيل، حوَّلت الولايات المتحدة مناطق حيوية من الشرق الأوسط ساحات توتر عالية، ونشرت الحرب في البحر الأحمر، وهي تنشُر الاستعدادات العسكرية فوق مياه شمال المحيط الهندي وبحر العرب، تحضيراً لمواجهة محتملة مع طهران كما تقول، بينما للقوى الدولية الكبرى بمختلف اتجاهاتها مصالح استراتيجية في هذه الممرات، وهي كانت شريكاً أساسياً في إدارة شؤونها بالتعاون مع دول المنطقة منذ ما يزيد عن 75 عاماً.
لقد تأكد أن مساعي الحل التي قادتها الولايات المتحدة، وأحياناً الاتحاد الأوروبي؛ فشلت في تحقيق سلام عادل وشامل. والأولى كانت شريكاً فعلياً في الانفلاش الذي حصل بعد توقيع التفاهم على الملف النووي الإيراني عام 2015، وأعطت تفويضاً لبعض القوى الفاعلة لتعميم سياسة الفوضى البناءة التي أسست لها وزير الخارجية الأميركية السابقة كونداليزا رايس، ودفعت بعض الدول العربية ثمناً غالياً من جراء هذه السياسة.
اختلال التوازن في المنطقة، وتغييب دور قوى عربية ودولية فاعلة؛ سيكون نتيجته مزيد من الفوضى وعدم الاستقرار، ولن تحقق الولايات المتحدة أهدافها المنشودة. والملاحظ أن منسوب الاعتراض او الامتعاض من سياستها يزداد، ولن يكفيها التفوق العسكري الحالي، ودعمها لإسرائيل من دون أي ضوابط لجنوح الأخيرة. وعلى العكس من ذلك، فإن هذه السياسة ستؤدي الى تفاقم الأزمة الى حدود الإختناق، والمآسي التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني، وإغفال المبادرات العربية والدولية التي تطالب بحل الدولتين، ليس فيه أية حِكمة، بل هو تشجيع للعدوان الذي لن يحصد سوى مزيد من المآسي، ولن يحقق السلام ولا الاستقرار.
تخطئ واشنطن إذا استمرَّت في تجاهل الانتظام العام والمؤسسات الأممية ذات الصلة، وإذا تغافلت عن التعاون مع القوى الفاعلة في سياق إدارتها لملف منطقة الشرق الأوسط، كونها المنطقة الأهم في العالم، وعلى الدوام كان في المنطقة شراكة وتوازن يساعدان في الاستقرار الدولي.
إعلان
يتم عرض هذا الإعلان بواسطة إعلانات Google، ولا يتحكم موقعنا في الإعلانات التي تظهر لكل مستخدم.