الحوثيون إلى أين؟
24 نيسان 2025
09:26
Article Content
في خضم الضربات الأميركية المتزايدة على مواقعهم، يواجه الحوثيون في اليمن مفترق طرق حرجًا يرسم ملامح مستقبلهم وتأثيرهم الإقليمي. هذه الضربات، التي تستهدف قدراتهم العسكرية، تحمل في طياتها احتمالات متعددة وتداعيات واسعة تتجاوز حدود اليمن.
ويشار إلى أن الهجمات على الحوثيين بدأت في النصف الاول من كانون الثاني من العام 2024، حيث شنت الولايات المتحدة وبريطانيا سلسلة من الغارات الجوية والضربات بصواريخ "كروز" على الحوثيين واستمرت حتى كانون الثاني 2025 في مرحلتها الأولى، وذلك ردًّا على مهاجمتهم السفن الإسرائيلية وتلك المتجهة إلى الدولة العبرية، أو ما يعرف بأزمة البحر الأحمر، بهدف الضغط على إسرائيل لوقف عدوانها على قطاع غزة.
وفي منتصف آذار من العام الجاري، أطلقت واشنطن عملية واسعة النطاق لا تزال مستمرة حتى الآن كمرحلة ثانية، وذلك بعد تولي دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة، مشتهدفة محافظات يمنية عدة خاضعة لسيطرة حركة "أنصار الله" الحوثيين،
ومع ذلك، فإنه ليس محسومًا ما إذا كانت هذه الضربات قد نجحت فعليًا في إضعاف قدرات الحوثيين العسكرية، وإن كانت هذه الغارات تؤثر بلا شك على قدرتهم على شن هجمات بنفس الوتيرة السابقة. لكن لا يمكن تجاهل عزمهم على مواصلة عملياتهم، ما ينذر بتصعيد مستمر.
فعلى مدى أسابيع، شنّت المقاتلات الأميركية غارات على أهداف للحوثيين في اليمن، تأكيدًا لتعهد ترامب باستخدام "القوة الساحقة" لتأمين الملاحة في البحر الأحمر. لكن هذه الضربات قوبلت بتحدٍ متزايد من الجماعة، حيث أكد المتحدث بإسمهم أن "عشرات الغارات الجوية لن تثني القوات المسلحة اليمنية عن أداء واجباتها".
تاريخيًا، أظهر الحوثيون قدرة على الصمود في وجه حملات عسكرية طويلة الأمد، حيث يصف مراقبون مخضرمون قدرتهم على الصمود بشراسة "غرير العسل" المقاوم، في إشارة إلى الثدييات المعروفة بمواجهتها للحيوانات المفترسة. فمثلًا، بعد لدغة حية كوبرا، ينهض "غرير العسل" بعد دقائق ويهاجم الثعبان.
ورغم الضربات الأميركية التي بدأت بشكل مكثف اعتبارًا من منتصف آذار الماضي، استمر الحوثيون في إطلاق الصواريخ الباليستية نحو إسرائيل والطائرات المسيرة والصواريخ على السفن الأميركية، وإن كانت هجماتهم لم تسفر عن أضرار جسيمة، إلا أن التهديد الذي يمثلونه لا يزال قائمًا.
لكن تكثيف الضربات الأميركية وتوسيعها، في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية والإنسانية، يمكن أن يحد من قدرتهم على الصمود على المدى الطويل. إلا أنه من غير الواضح ما إذا كان إضعافهم سيؤدي إلى مرونة منهم، أم مزيد من التعنت.
في المقابل، يبدو أن هدف واشنطن الحالي يتركز على ردعهم عن تهديد الملاحة الدولية وتقويض قدراتهم العسكرية، لكن ليس بالضرورة إخراجهم الكامل من المشهد اليمني. ومع ذلك، فإن استمرار هجماتهم قد يدفع واشنطن إلى تبني استراتيجية أكثر حزمًا.
يبقى أن مصير الحوثيين مرتبطً بشكل وثيق بتطورات الوضع الإقليمي الأوسع، في وقت تشهد المنطقة مرحلة "إعادة ضبط للقوى" على إيقاع أميركي. وبالتالي، من الصعب التكهن بمستقبلهم بشكل قاطع في ظل ديناميكيات معقدة ومتغيرة باستمرار.
ففي ظل التحولات الإقليمية المتسارعة، وتراجع وهج "محور الممانعة"، وانخراط طهران في محادثات مع واشنطن حول ملفها النووي، سعيًا لتجنب ضربة أميركية واسعة النطاق، قد يواجه الحوثيون عزلة متزايدة مع استمرار الضربات الأميركية لترسيخ تآكل قدراتهم العسكرية، وبالتالي انحسار نفوذهم العسكري خارج اليمن، وتوقف هجماتهم في البحر الأحمر.
في غضون ذلك، تبدي الولايات المتحدة استعدادًا لتوسيع حملتها، حيث وصلت قاذفات "بي ـ 2" وطائرات تزويد بالوقود إلى جزيرة دييغو غارسيا، وهو ما قد يشير إلى التحضير لضربات أعمق داخل اليمن أو رسالة لإيران.
ويرى مراقبون أن القضاء على تهديد الحوثيين قد يتطلب في نهاية المطاف تدخلًا بريًا، لأن إخضاعهم يمثل تحديًا كبيرًا. وبالتالي، فإن الحل الأمثل قد يكمن في إخراجهم من معاقلهم الرئيسية: العاصمة صنعاء وساحل البحر الأحمر.
وتؤكد مصادر دبلوماسية إقليمية أن الهجوم البري قد يكون الوسيلة الوحيدة، مشيرة إلى أن الحوثيين لم يلجأوا إلى طاولة المفاوضات إلا تحت التهديد بخسائر ميدانية ملموسة.
وفي الوقت الحالي، يبدو أن نشر قوات برية أميركية أمر مستبعد، لكن واشنطن قد تقدم دعمًا لوجستيًا للقوات اليمنية التابعة لحكومة عدن. وتتحدث مصادر عن استعدادات لعملية برية محتملة من الجنوب والشرق وعلى طول الساحل، مع احتمال دعم بحري أميركي لاستعادة ميناء الحديدة، لكن جدوى هذه العملية لا تزال غير واضحة في ظل النتائج المتباينة للتدخلات السابقة.
وبالتالي، فمن غير الواضح كيف ستقيّد الضربات الأميركية قدرة الحوثيين على المناورة، وتجبرهم في النهاية على الدخول في مسار سياسي يضمن بقائهم كقوة محلية. على أن مستقبلهم مرهون بشكل كبير بالتطورات الإقليمية، وبمدى استعداد الأطراف المعنية للدفع نحو تسوية سياسية شاملة في اليمن.
فهل بات الحوثيون أمام خيارات محدودة؟ فإما أن يستمروا كقوة سياسية مهيمنة في الشمال اليمني، مستفيدين من سيطرتهم على مناطق ذات كثافة سكانية عالية وقدرتهم على التعبئة، وإما اندماجهم في عملية سياسية مستقبلية، ولكن بشروط تحد من نفوذهم وتسليحهم، أو يتحولون إلى قوة متمردة أضعف، لكنها قادرة فقط على شن هجمات متفرقة لزعزعة الاستقرار.
إعلان
يتم عرض هذا الإعلان بواسطة إعلانات Google، ولا يتحكم موقعنا في الإعلانات التي تظهر لكل مستخدم.