إيران تتمسّك بسلاح أذرعها في التّفاوض… إسرائيل تصعّد
23 نيسان 2025
09:56
Article Content
قيل الكثير في أسباب موجة المواقف التي أطلقها “الحزب” رفضاً لمبدأ نزع أو تسليم سلاحه. من التفسيرات الرائجة أنّه يخاطب جمهوره ويرفع من معنويّاته، لكنّ ما قاله السفير الإيراني في بيروت عن “مؤامرة نزع السلاح” لم يترك مجالاً للشكّ في أنّ طهران تتمسّك بنفوذها الإقليمي في مفاوضاتها مع واشنطن.
اعتبر السفير الإيراني مجتبى أماني أنّ “مشروع نزع السلاح مؤامرة ضدّ الدول”. ولفت إلى أنّه “ما إن تستسلم تلك الدول لمطالب نزع السلاح، تصبح عرضة للهجوم والاحتلال، كما حصل في العراق وليبيا وسوريا”.
أضاف: “نحن في إيران نعي خطورة المؤامرة وخطرها ونحذّر الآخرين من الوقوع في فخّ الأعداء”، مشدّداً على أنّ “حفظ القدرة الردعيّة، هو خطّ الدفاع الأوّل عن السيادة والاستقلال ولا ينبغي المساومة عليه”.
شعور القيادة بتذمّر القاعدة
التفسير القائل إنّ تشدّد “الحزب” في مسألة السلاح يستبق مزيداً من التراجع في شعبيّته، على صحّته، لا يحجب أولويّة الوظيفة الإيرانية لذلك توجّه وفيق صفا إلى “جمهور المقاومة” بوصف حديث خصوم “الحزب” عن السلاح بأنّه “هوبرات لا تتأثّروا بها”. وطمأن إلى أنّه “لا يوجد استهداف للمكوّن الشيعي”، داعياً إلى “الثقة بالحزب وقيادته”.
لو لم تكن هذه القيادة تشعر بتذمّر الجمهور الشيعي من مغامرات “الحزب”، لما خاطبها بهذه الطريقة. ولو لم تلمس القيادة التململ أحياناً والغضب أحياناً أخرى من قصوره عن الوفاء بالتزامه إعادة إعمار مئات آلاف المساكن “أجمل ممّا كانت”، لما ذكّر بأنّ سلاحه صنع للطائفة مكانتها في التركيبة الداخلية، وبالدور الذي اضطلع به إقليمياً عبر فائض القوّة.
حتّى الشرائح الشيعية التي والت “الحزب” واعتبرت تضحياته في مواجهة إسرائيل وتحرير الجنوب مصدر اعتزاز للطائفة، أخذت تتبرّم من تخلّي إيران عنه… وهو يأمل من تركيزه على إخلال إسرائيل باتّفاق وقف النار واستمرارها في احتلال مواقع جنوبية، وعلى الضغوط الأميركية لتجريده من سلاحه، استعادة بعض ما فقده من موالاة في بيئته.
موجة التّشدّد تعاكس تروّي عون
من الآثار الداخلية لموجة التشدّد أنّها استهدفت صراحة وضمناً حديث رئيسَي الجمهورية والحكومة جوزف عون ونوّاف سلام عن احتكار الدولة السلاح:
تصيب الرئيس عون بخيبة، لأنّها تعاكس حديثه لقناة “الجزيرة” في 15 نيسان الجاري عن أنّ “الحزب” أبدى ليونة في موضوع السلاح، وأنّ الحوار قائم بين رئاسة الجمهورية و”الحزب” عبر رسائل متبادلة تمهيداً لحلّ. خذلت موجة التشدّد التروّي الذي اعتمده عون في التعاطي مع تعقيدات نزع السلاح. وتضعف هذه الموجة نهجه حيال القيادات اللبنانية الضاغطة لتسريع تطبيق اتّفاق وقف الأعمال العدائية، والتي نصحها بإعطاء الوقت لمعالجة ملفّ السلاح.
التزم عون وسلام، بالتفاهم مع رئيس البرلمان نبيه بري، أمام قادة الدول التي زارها الأوّل، والموفدين الدوليين، ولا سيما موفدة دونالد ترامب، المضيّ قدماً في بند حصرية السلاح بيد الدولة. وشدّد عون في المقابل على أولويّة انسحاب إسرائيل وإفراجها عن الأسرى. إلّا أنّ عودة “الحزب” إلى التشدّد تُخضع الحكم اللبناني الجديد لمشيئة “الحزب” وللأجندة الإيرانية، وتعرّضه لمزيد من الضغوط الأميركية.
بعث “الحزب” برسائل إلى الرئاسة بأنّه لا يستهدفها ومرتاح لتوجّهاتها ويقدّرها، وأنّ المقصود قوى سياسية تعتمد سياسة تحريض على المقاومة وتتجاهل اعتداءات إسرائيل. لكنّ عون اضطرّ إلى الردّ بالتأكيد أنّ قرار حصر السلاح في يد الدولة “اتُّخذ”، تاركاً تنفيذه للحوار وللظروف. فيما أكّد سلام أنّ “الدولة وحدها صاحبة قرار الحرب والسلم والجهة المخوّلة امتلاك السلاح”. إلّا أنّ مواقع التواصل الموالية لـ”الحزب” ألحقت تصريحات قادته بفيديو جاء فيه: “سلاحنا يا فخامة الرئيس هو الذي سيدافع يوماً ما عن قصرك وعن بيتك وعن أسرتك… والذي يتخلّى عن سلاحه غشيم وأبله وتافه، ونحن لسنا تافهين. ونحن أذكياء ونفكّر، والأسد الذي نالته المخالب في الحرب، شُفي الآن”.
بين خصوم “الحزب” من يعتقد أنّه يصعب على بعض قيادته التسليم بانعكاسات خسائره على موقعه في التركيبة الداخلية، وضمن الطائفة قبل الانتخابات النيابية بعد سنة.
ورقة السّلاح والتّفاوض الأميركيّ الإيرانيّ
الموجب الإيراني لموجة التشدّد يتقدّم على الأسباب الداخلية. فتصريح السفير أماني لم يحصر حديثه بسلاح المقاومة في لبنان، بل تحدّث عن “الدول”، وسمّى ثلاثاً منها، متجاوزاً لبنان. وربّما كان للإيحاء بأنّه لا يتدخّل في شأن داخلي.
يصعب فصل التشبّث بالسلاح عن المشهد الإقليمي وعن الحسابات العسكرية لطهران، إذا فشلت المفاوضات، ورجحت كفّة بنيامين نتنياهو بوجوب توجيه ضربة عسكرية لبرنامج إيران النووي. فهي مازالت تأمل استخدام سلاح “الحزب” في أيّ مواجهة، حتّى لو تكرّرت حساباتها الخاطئة. فالوحشيّة الإسرائيلية تردّ يومياً بقصف واسع لمناطق جنوبية. وهو ما استدعى، حسبما علم “أساس”، اتّصالات مع الجانب الأميركي لوقف تصعيد الجيش الإسرائيلي.
في أحسن الأحوال، تستبق الموجة طرح إدارة ترامب مسألة نفوذ طهران الإقليمي وتفكيك أذرعها في مفاوضات عُمان. فأميركا تحاول ذلك بالقصف العنيف للبنية التحتيّة للحوثيين في اليمن منذ 36 يوماً. ويتواصل الضغط على الحكومة العراقية لتجريد الفصائل الولائيّة من السلاح، وتحويل قوى “الحشد الشعبي” إلى أحزاب سياسية. وفي غزّة تؤيّد واشنطن اشتراط إسرائيل تجريد “حماس” من سلاحها شرطاً لوقف النار. في المقابل من الطبيعي أن تبقي طهران على سلاح أذرعها ورقة تفاوض في يدها على الأقلّ.
إلّا أنّ موجة تصعيد “الحزب” الأخيرة تحرم السلطة اللبنانية من استخدام مسألة سحب سلاح “الحزب” ورقة تفاوض لضمان إعادة إعمار ما هدّمته إسرائيل.
إعلان
يتم عرض هذا الإعلان بواسطة إعلانات Google، ولا يتحكم موقعنا في الإعلانات التي تظهر لكل مستخدم.