أبو دياب: هناك إصرار على الاصلاح... ومراد: اجتماعات الربيع فرصة للبنان
اجتماعات الربيع في واشنطن... اختبار جديد لقدرة لبنان على تنفيذ الإصلاحات
22 نيسان 2025
14:09
Article Content
دخل لبنان منذ العام 2019 نفقًا مظلمًا، وما زال يتخبّط محاولًا الخروج منه، بعد انهيار إقتصادي ومالي غير مسبوق أدى إلى تدهور عملته الوطنية والانتقال إلى "دولرة" شبه شاملة على كافة المستويات، وخسارة اللبنانيين لقدرتهم الشرائية والتأقلم بين عملَتين الليرة والدولار وبين اقتصاد شرعي وآخر موازٍ.
لجأ لبنان إلى المجتمع الدولي، حيث انخرط بمفاوضات مكوكية مع صندوق النقد الدولي، اصطدمت دائمًا بمدى جدية الحكومة اللبنانية والبرلمان على التعامل مع الشروط المطلوبة منه، وعنوانها العريض هو الإصلاح كمدخل أساسي لكل جهود الخروج من الإنهيار واستعادة عافيته.
ومع دخول لبنان في مرحلة جديدة سياسيًا، أمنيًا واقتصاديًا مطلع العام 2025 بعد انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة، تشهد اتصالاته الدولية اندفاعة مختلفة على خط المجتمع الدولي والجهات المانحة، محاولًا استعادة الثقة الدولية والعربية بالتزامن مع اتخاذ اجراءات تنفيذية من خلال إقرار قوانين وتشريعات ضرورية لأي اتفاق محتمل، ومنها على سبيل المثال لا الحصر إقرار قانون السرية المصرفية.
اجتماعات الربيع
وفي هذا السياق، تأتي مشاركة لبنان في اجتماعات الربيع السنوية، في واشنطن، مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والجهات المانحة. ما يشكّل فرصة حقيقية لدفع مفاوضاته مع الصندوق قدمًا، فالاتفاق معه سيكون بمثابة جواز عبور للحصول على مساعدات دولية هي أكثر من ضرورة، لا سيما في هذه المرحلة والحاجة إلى عون خارجي لإطلاق عملية إعادة الإعمار في جنوب لبنان والضاحية الجنوبية لبيروت بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة والدمار الكبير الذي خلّفته.
ولهذه الغاية، يشارك وفد لبناني رسمي رفيع في هذه الاجتماعات التي انطلقت في 21 نيسان/أبريل، برئاسة وزير المالية ياسين جابر، وعضوية كل من وزير الاقتصاد والتجارة عامر البساط، وحاكم مصرف لبنان كريم سعيد، بالإضافة إلى رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان، ووزيرة الشؤون الاجتماعية حنين السيد، والنائب فريد البستاني.
وأما العناوين الأساسية التي يحملها في جعبته فهي العمل على إنضاج اتفاق مع صندوق النقد مع نهاية الصيف، العمل على جذب استثمارات الى لبنان والحصول على مساعدات من الجهات المانحة، وذلك بعد إظهار حسن نوايا الحكومة اللبنانية الجديدة لسلوك طريق الاصلاح بنهج مختلف عن السنوات الماضية.
مصادر تمويل
لفتَ عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الدكتور أنيس أبو دياب، في حديث لـ"الترا صوت"، إلى أنَّ حضور لبنان أكثر من ضروريّ في الاجتماعات الدورية للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي في فصلَي الخريف والربيع، في سياق كونه عضوًا في صندوق النقد الدولي، وبالتالي فإنَّ حضوره على مستوى وزير المالية وحاكم مصرف لبنان مهمّ بشكل دائم، حيث يصدر عن الاجتماعات تقرير يُطلق عليه اسم "Chapter4" يتناول الوضع الاقتصادي للدول أجمع.
وأشار أبو دياب إلى أنَّ أهمية حضور لبنان تكمن في رفع مشكلته، لمناقشتها أمام أعلى مستوى من المؤسسات المالية والدولية، فضلًا عن حضور عدد كبير من المؤسسات الدولية، معتبرًا أن الاجتماعات الجانبية التي تُعقد تساهم في جذب مصادر تمويل إضافية في المستقبل.
نتائج عملية
وإذ لفت أبو دياب إلى أن المفاوضات مستمرة على مستوى اللجان بين لبنان وصندوق النقد خصوصًا لناحية طبيعة القرض وحجمه، يشرح أنَّ القروض تُمنح وفق مشاركة الدولة في الصندوق، وتبدأ من ضعف إلى 10 أضعاف، فلبنان حسب مشاركته حتّى اليوم يمكن أن تبلغ قيمة القرض 870 مليون دولار، وهو أدنى رقم، على أن تصل القيمة إلى 8 مليار و700 مليون أيّ 10 أضعاف.
وعن الإصلاحات، قال أبو دياب لـ"الترا صوت: "أخشى القول إننا لسنا جاهزين بعدُ للتوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد، فالإصلاحات مطلوبة من الداخل قبل أن تكون مشروطة من الخارج. وقد بدأت هذه الإصلاحات منذ عام 2001 في إطار مؤتمر باريس 1، الذي حدد القوانين المتعلقة بتبييض الأموال، وضبط الحدود، ومكافحة التهريب، ثم تضاعفت بعد عام 2011، وهي تشمل أيضًا قانون السرية المصرفية، وتعزيز دور الدولة، وإعادة هيكلة القطاع العام، إلى أن دخلنا في مرحلة الانهيار عام 2019".
وشدد أبو دياب على أن المطلوب إقرار بعض القوانين المتعلقة بإعادة تنظيم القطاع المصرفي، والسرية المصرفية، والقانون الأهم المتمثل بالفجوة المالية واعادة التوازن المالي أي كيفية توزيع الخسائر وحجمها ومن سيتحمل مسؤوليتها، إلّا أن الحكومة لم تعد حتى الآن مشروع القانون، إنما هذا الأمر يخص اللبنانيين والمؤسسات والمودعين ليس فقط صندوق النقد الدولي.
حذّر أبو دياب من وجود مَن لا يرغب في تنفيذ الاصلاحات، معتبراً أن هناك مستفيد من هذا الجو والفوضى المالية، لأن بعض المصارف تعمل على الحد من خسائرها وهي غير قابلة للاستمرار، في وقت يرفض فيه أصحاب المصالح الإصلاح لأن بيئتهم هي الفوضى، وهذه البيئة تحظى بقوة قادرة على تعطيل أي برامج مع صندوق النقد.
ونوّه أبو دياب بالخطوة الإيجابية التي قامت بها اللجان النيابية المشتركة، بإقرارها قانون رفع السرية المصرفية، متمنيًا أن تضيفه هيئة مكتب المجلس النيابي على جدول أعمالها، وتحيل قانون إصلاح المصارف، حينها يتبين إذا ما كان لبنان على جهوزية لناحية إبرام الاتفاق مع صندوق النقد، خصوصاً وأنه من الجو السياسي الداخلي والعالمي هناك إصرار على الاصلاح وهناك مطالب محلية للوصول الى اتفاق مع صندوق النقد لاعادة التواصل مع العالم.
موقف لبناني موحّد
يبدو أن لبنان يقدّم هذه المرة صورة مختلفة بعد سنوات من عدم الوضوح والتوجّه إلى المجتمع الدولي بمقاربات متضاربة وأرقام متناقضة لم تسمح للعالم بالثقة به.
وأوضح الكاتب والصحافي غبريال مراد، المشارك في اجتماعات واشنطن، في حديث لـ"الترا صوت"، أن "اجتماعات الربيع فرصة للبنان للإطلالة على المجتمع المالي الدولي والإطلاع على رأي المؤسسات الدولية وتوجهاتها، وشرح الموقف اللبناني بعد فترة من التخبط وانعدام الثقة نتيجة طريقة التعامل مع الانهيار المالي".
وكشف أن "المختلف على ما يبدو أن وجهات نظر الفريق اللبناني المفاوض من حكومة ومصرف لبنان متلاقية وغير متباعدة، أقلّه كما يظهر حتى الآن، بخلاف ما حصل مع حكومة حسان دياب".
وتابع مراد "إضافة الى ذلك، فاجتماعات الربيع التي تستقطب ممثلين عن أكثر من مئة دولة في العالم فرصة للقاء الدول المانحة والمستثمرين. ولبنان يحاول أن يحرز خطوات إيجابية، لكنها غير كافية ما لم تترافق مع إقرار خطة الانتظام المالي التي على أساسها تحدد كيفية استرداد الودائع التي هي مفتاح الحلول".
وشدد على أن "المطلوب كذلك من الحكومة التدقيق بموجودات المصارف في لبنان والخارج لتعرف ما لها وما عليها على القلم والورقة".
فرصة للإنقاذ
وعليه، لن تكون اجتماعات الربيع محطة عابرة، لا بل هي فرصة حقيقة للبنان لإنقاذ اقتصاده هذه المرة على أسس واضحة مبنية على رؤية علمية وإرادة جادّة بالإصلاح. وتبقى العقدة الأهم أن هذه الخطوات ماليًا واقتصاديًا تستوجب ملاقاتها بأخرى سياسية وأمنية لا تقلّ أهمية، وفي طليعتها حصرية السلاح بيد الدولة، ومدى سرعة الدولة اللبنانية وقدرتها على فرض واقع جديد يشكّل بيئة جاذبة للاستثمارات والرساميل، فلا اقتصاد بلا أمن واستقرار سياسي، وهذه القاعدة الذهبية التي لم يصلها لبنان بعد.
إعلان
يتم عرض هذا الإعلان بواسطة إعلانات Google، ولا يتحكم موقعنا في الإعلانات التي تظهر لكل مستخدم.