كامب ديفيد: "قيد ذهبي" حول عنق أبو الهول!
22 نيسان 2025
09:03
آخر تحديث:22 نيسان 202509:05
Article Content
لم تكن اتفاقية كامب ديفيد مجرّد وثيقة سلام وُقِّعت بين طرفين أنهكتهما الحروب، بل كانت نقطة تحوّل استراتيجي في تاريخ المنطقة. وبدا المشهد آنذاك وكأنه انتصارٌ للدبلوماسية، وخطوة أولى نحو شرق أوسط أكثر استقراراً. لكن خيوط هذه الاتفاقية نُسجت بعناية فائقة لتتحوّل لاحقاً إلى أداة ضغط سياسي وأمني على القاهرة يصعب كسر قيدها.
فعلى الرغم من أن الاتفاقيات أوقفت نزيف الدم وفتحت أبواب الدبلوماسية، إلا أنها حملت في طيّاتها أثمانًا سياسية واقتصادية دفعتها القاهرة على مدى عقود. وأصبح "السلام الذهبي" مع إسرائيل عنوانًا للتطبيع المقنّع. ومقابل هذا السلام، قُيّدت مصر بحدود مرسومة، وتحركات محسوبة، ونفوذ خارجي اخترق عمقها السياسي والاقتصادي.
فهل كانت كامب ديفيد نهايةً لصراع أم بدايةً لـ "قيد ذهبي" حول عنق أبو الهول يصعب خلعه؟ وذلك على الرغم من أنها أتاحت لمصر استقرارًا داخليًا، وأعادت رسم حدودها الإقليمية.
في الظاهر، جاءت الاتفاقية تتويجًا لجهود مكثفة للسلام، وأدت إلى استعادة سيناء بشكل كامل. لكنها في العمق، أظهرت أن السلام مع إسرائيل بمثابة عبء سياسي مكلف مُغلَّف بمنظومة من القيود يصعب الإفلات منها، ولم تكن إلا ستارًا هشًا لفرض مزيد من الهيمنة، وتوسيع دائرة الابتزاز بلا رادع، يضغط عند كل مفترق، سواء في فلسطين وملف غزة أو في الجوار الأردني أو في الجوار المصري في سيناء.
فهل تغامر إسرائيل بمصير اتفاقيات كامب ديفيد؟
تبدو الإجابة صعبة، لكن عمليات إسرائيل العسكرية في غزة وتوغلاتها في مناطق مثل محور فيلادلفيا الحدودي مع مصر، والخشية من نزوح الفلسطينيين إلى سيناء، دفعت القاهرة لربط ذلك بشكل مباشر بمصير اتفاقيات السلام، في ظل قلق مصري من احتمال تدفق النازحين الفلسطينيين إلى سيناء.
في المقابل، ترى إسرائيل أن الاعتبارات الأمنية الحالية في غزة تفوق أهمية الحفاظ على نص اتفاقيات كامب ديفيد بدقة. لكنها في الوقت نفسه تعتبر أن السلام مع مصر يبقى ركيزة أساسية للأمن القومي الإسرائيلي، لأنه يسمح لها بالتركيز على تحديات أخرى، خصوصاً وأنها تعتمد على القاهرة في لعب دور الوسيط مع حركة "حماس" وجهات أخرى في المنطقة، وبالتالي، فإن تقويض الاتفاقيات قد يعرقل هذا الدور.
لكن إذا كانت إسرائيل لا تسعى لإلغاء اتفاقيات كامب ديفيد، إلا أن حربها على غزة تحمل مخاطر حقيقية على هذه الاتفاقيات. فمنذ بداية العدوان على قطاع غزة، حُوصِرت العلاقات المصرية الإسرائيلية بحرب كلامية، واتهامات متبادلة بخرق اتفاقيات السلام المُبرمة بين الجانبين منذ 26 آذار 1979.
وفي الوقت الذي اعتبرت القاهرة أن تموضع قوات الاحتلال في محور فيلادلفيا خطوة استباقية لاختراق الاتفاقية، رأت تل أبيب أن انتشار الجيش المصري على امتداد المحور الفاصل بين مصر وقطاع غزة (14 كيلومترًا) هو الخرق الفعلي للاتفاقية.
وعلى خلفية هذا التناحر، لوَّحت القاهرة غير مرة بإلغاء المعاهدة مع تل أبيب، لا سيما بعد مؤتمر صحافي عقده رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 3 أيلول 2024، واستعرض فيه خريطة لمحور فيلادلفيا، معتبرًا إياه "منطقة عسكرية"، وذلك خلافًا لبنود اتفاقية كامب ديفيد وملاحقها.
وبعد تنصيب دونالد ترامب رئيسًا، تفاقم الضغط الإسرائيلي ضد القاهرة، وانفرد الكاتب الإسرائيلي أرئيل كهانا بترويج معلومات حول عزم الكونغرس الأميركي، في سابقة هي الأولى من نوعها، مناقشةَ ما وصفه بـ"انتهاكات اتفاقية كامب ديفيد من جانب مصر، خصوصاً بعد تنامي تدفق قوات الجيش المصري إلى سيناء".
وأشار كهانا إلى أن أحد أهم بنود الاقتراح المزمع مناقشته في جلسة مغلقة في مجلس النواب، هو الدعوة إلى "إعادة النظر في المساعدات الأميركية التي تتلقاها مصر سنويًا"، وذلك على الرغم من استثناء ترامب مصر وإسرائيل من قرار تجميد جميع المساعدات الدولية الأميركية.
والارجح أن إسرائيل لا تسعى لإلغاء اتفاقية السلام مع مصر، إنما تحاول تعديلها بما يتناسب وحساباتها في المنطقة، مستغلة وجود ترامب في البيت الأبيض لتسويق فكرة التعديل عبر إيصال رسالة استباقية مفادها أن القاهرة تخرق هذه الاتفاقيات.
ويشار إلى أن الحرب على غزة أثارت غضبًا واسعًا في الشارع المصري، وترافق ذلك مع تصريحات لمسؤولين مصريين تحذر من أن استمرار العمليات الإسرائيلية في غزة، وخصوصاً في رفح، قد يعرض اتفاقيات كامب ديفيد للخطر. وردت القاهرة على التحركات الإسرائيلية على محور فلادليفيا، بتعزيز وجودها العسكري في سيناء، ما أثار قلق بعض المسؤولين الإسرائيليين الذين اعتبروا ذلك تجاوزًا للحدود المتفق عليها في كامب ديفيد.
وكانت صحيفة "جيروزاليم بوست" قد رأت الشهر الماضي أن تصاعد الحشد العسكري على طول حدود غزة، يجعل معاهدة كامب ديفيد للسلام، تواجه أخطر اختبار لها حتى الآن.
ومع أن تل أبيب تصر على أن تحركها لا يتجاوز محاولة القضاء على حركة "حماس" ومنع الهجمات المستقبلية، وأن مصر تؤكد أن حشدها مجرد موقف دفاعي، فإن هناك في إسرائيل من يخشى من أن يكون التحرك المصري جزءًا من تحول استراتيجي أكبر، رغم استمرار التنسيق الأمني بين تل أبيب والقاهرة.
اليوم، وبعد أكثر من أربعة عقود، تقف مصر أمام واقع مختلف: شريك سلام يتصرّف كوصي، واتفاقيات وُصفت يومًا بأنها "الضمانة"، وتحوّلت لاحقاً إلى أداة ابتزاز ناعم عند كل مفترق، سواء كان أمنيًا في سيناء، أو سياسيًا في ملف غزة، أو حتى اقتصاديًا عند المعابر.
إعلان
يتم عرض هذا الإعلان بواسطة إعلانات Google، ولا يتحكم موقعنا في الإعلانات التي تظهر لكل مستخدم.