تصاعد المواجهة: من الرسوم الجمركية إلى حرب اقتصادية شاملة
19 نيسان 2025
17:11
Article Content
تشهد العلاقات الأميركية الصينية تحولاً جذرياً من التنافس إلى المواجهة المباشرة، حيث تحولت الرسوم الجمركية من أداة ضبط تجاري إلى سلاح استراتيجي في ترسانة الصراع بين القوتين العظميين. القرار الأميركي برفع الرسوم إلى 245% لم يأت كإجراء منفصل، بل هو حلقة في سلسلة متصاعدة بدأت منذ 2018، تعكس رغبة واشنطن في إعادة صياغة قواعد اللعبة الاقتصادية العالمية. من جانبها، ترد بكين بخطوات مماثلة، مما يحول هذا الصراع إلى مواجهة وجودية تهدد أسس النظام الاقتصادي الدولي.
المعادن النادرة: ساحة المعركة الجديدة
تمثل المعادن النادرة نقطة التحول الحاسمة في هذه المواجهة، حيث تمتلك الصين 92% من القدرة على معالجة هذه المواد النادرة، و61% من الانتاج العالمي للمواد ذاتها. قرار بكين بحظر تصدير سبعة معادن حيوية مثل الساماريوم والغادولينيوم ضرب أمريكا في مقتل، حيث تعتمد الشركات الأميركية على الصين في 70% من إمدادات هذه المواد (التي تدخل في صناعة الهواتف الذكية، المركبات الكهربائية ومن بينها تسلا، والطائرات الحربية)، بذلك كانت النتيجة مباشرة وهي اضطرابات في سلاسل توريد كبرى الشركات التقنية، وارتفاع جنوني في أسعار بعض المنتجات الاستهلاكية، إضافة إلى أن الشركات التكنولوجية والعسكرية الأميركية تواجه الآن تحديات غير مسبوقة في تأمين إمداداتها، مما يهدد بتعطيل سلاسل الإنتاج العالمية برمتها. هذا التحرك الصيني الذكي يحول المعادن النادرة من مجرد سلع استراتيجية إلى أوراق ضغط سياسية بالغة التأثير.
تداعيات متسارعة تهز الأسواق العالمية
لا تقتصر تأثيرات هذه الحرب على الطرفين المتصارعين بطبيعة الحال، بل تمتد أيضا لتشمل الاقتصاد العالمي بأسره. فبورصات العالم شهدت تقلبات حادة عقب هذه القرارات، مع انخفاض مؤشر داو جونز بنسبة 12.5% خلال أسبوعين فقط. إلى ذلك، صندوق النقد الدولي يحذر من موجة تضخم عالمية قد تصل إلى 5%، مصحوبة بتباطؤ في النمو الاقتصادي بحلول عام 2026، وأيضا ألمانيا تُحذّر من انكماش صادرات سياراتها بسبب نقص المعادن، وفرنسا تُسرّع خططها لاستخراج المعادن من قاع المحيط الأطلسي.
وبالرغم من تراجع الولايات المتحدة عن فرض الرسوم بتعليق فرضها على باقي دول العالم لمدة ٩٠ يوما، باستثناء الصين، ورفع الرسوم عن الأجهزة الإلكترونية، والسيارات، إلا أنها أعلنت عن نيتها بفرض رسوم إضافية على الأدوية وهذا الأمر لا يشير إلا إلى تصعيد مقبل محتمل.
استراتيجيات المواجهة وسباق التكيّف
تسابق واشنطن الزمن لبناء سلاسل توريد بديلة، مستثمرة 439 مليون دولار في تطوير مناجم محلية وعقد شراكات مع دول غنية بالموارد مثل أستراليا والكونغو. من جهتها، تعمل الصين على تعزيز استراتيجية "الدوران المزدوج" لتحفيز الاقتصاد المحلي وتقليل اعتمادها على الأسواق الخارجية. لكن كلا الطرفين يواجه معضلات جوهرية؛ فالأميركيون يحتاجون لسنوات لبناء بنية تحتية بديلة إلا أن تأثير هذه الأزمة قد لا يستغرق أكثر من بضعة أشهر، بينما الصينيون يعانون من تراجع الطلب العالمي على صادراتهم وهذا الأمر كان من أساسيات الاهتمام الصيني في السنوات الماضية من أجل إيجاد بديل عن السوق الغربي لصادراتها من خلال اتباع خطة "الدوران المزدوج" لتعزيز استهلاكها المحلي.
المشهد الحالي يشبه إلى حد كبير "لعبة شطرنج" استراتيجية، حيث يحاول كل طرف إجبار الآخر على الرضوخ. بعض المحللين يتحدثون عن احتمال عودة الطرفين إلى طاولة المفاوضات، بينما يرى آخرون أن الصراع قد يمتد لسنوات، مع تحول الاقتصاد العالمي إلى نظام أكثر انقساماً. السؤال الأكبر: هل سنشهد نهاية العولمة كما عرفناها لسنوات، أم أن هذه مجرد مرحلة مؤقتة في صراع القوى العظمى؟
إعلان
يتم عرض هذا الإعلان بواسطة إعلانات Google، ولا يتحكم موقعنا في الإعلانات التي تظهر لكل مستخدم.