دور محوري للعراق في إعادة ترتيب أوضاع المنطقة
19 نيسان 2025
04:42
Article Content
القمة العربية التي ستُعقد في بغداد في 17 أيار/مايو المقبل، مفصلية ومُهمة، وقد تَضع عناوين للمرحلة المقبلة، بصرف النظر عن الاختلال الهائل في التوازنات الإقليمية، وهي لمصلحة إسرائيل والولايات المتحدة حالياً، ولكن الوضع العربي المتأثر بالنكبة الفلسطينية الثانية التي حصلت في قطاع غزة، وعلى درجة أقل في الضفة؛ استفاد بعض الشيء من تحولات مهمة حصلت في سوريا وفي لبنان، وربما ينعكس الأمر على العراق أيضاً، ورئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني بدأ يتهيَّب الموقف، وقد أجرى تعديلات جوهرية على سياسته الخارجية، تلافياً لاستهداف عسكري قد يطال بلاده، ولتجنُّب هزيمة مع الفريق الذي أوصله للرئاسة في الانتخابات النيابية في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.
السوداني أدرك الموقف الضاغط على نظامه، وعلى العراق بشكلٍ عام، شعبياً واقتصادياً من الداخل، وأمنياً من الخارج، عبر تهديدات وصلته من الولايات المتحدة، وربما من إسرائيل أيضاً – وفق ما ذكرت بعض المصادر – بعد تسريب معلومات عن استعدادات عسكرية لقوات من فصائل الحشد الشعبي الموالية لطهران، وهدفها الرد على أي ضربات قد تطال ايران، وبصواريخ كبيرة الحجم وطويلة المدى تسلمتها هذه القوات في الفترة الأخيرة الماضية.
يبدو أن التوليفة الحاكمة في العراق اتخذت بعض القرارات الاستراتيجية لمواجهة المرحلة المقبلة، وأدركت أن ترابطها السياسي والأمني مع ايران، لا يمكن أن يستمرّ كما هو قائم اليوم، وهي مضطرة لفصل المسارين الذين تعايشا بُعيدَ الانسحاب الأميركي منذ ما يزيد عن عشر سنوات، لأن هذا الترابط مع طهران سيؤدي في حالتي الحرب أو السلم، إلى تقويض الوضع القائم في بغداد، فالعراق سيدفع جزءاً كبيراً من فاتورة الحرب إذا وقعت بين الولايات المتحدة وإيران، وفي ذات الوقت، فإن نجاح التسوية التي بدأت المفاوضات عليها بين الجانبين، ستكون على حسابه، لأنه مُجبر على اللُحاق بها، من دون أن يكون شريكاً مؤثراً فيها.
دعوة رئيس الوزراء شيّاع السوداني للرئيس السوري أحمد الشرع لحضور القمة العربية المُزمَع عقدها في بلاده، شكَّلت حدثاً مهماً، وفي هذه الخطوة يكون السوداني قد تحلَّل جُزئياً من ارتباطه بالسياسة الإيرانية التي ما زالت تتعامل مع الشرع كعدوٍ لدود، وتساعد معارضيه في إثارة القلاقل في وجهه، وأحداث الساحل التي حصلت بين 7 و10 آذار/مارس الماضي، أكدت على الخطوط العامة لسياسة طهران المستقبلية اتجاه سوريا، وركيزتها إدارة اشتباكات بين قوات الحكومة والمسلحين المُتخفيّن والمُتمرسين من قوات النظام البائد.
وتبذل المملكة العربية السعودية وقطر أدواراً في تعديل المنحى الراديكالي الذي تسير فيه العلاقة بين سوريا وايران، كما يضغطون على الأفرقاء للتخفيف من حدَّة التوتر القائمة، خصوصاً كون حلفاء طهران في العراق يحتضنون نشاط كوادر هامة كانوا من فريق عمل الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد. والمعلومات تؤكد أن هؤلاء يُعدُّون العِدَّة للعودة الى سوريا عن طريق الحدود الطويلة بين البلدين، وخلف عودتهم نوايا ليست سويَّة اتجاه الحكومة الحالية في دمشق. وذكرت بعض المعلومات أن زيارة وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان بن عبد العزيز الأخيرة الى طهران، كانت على علاقة بالمستجدات الحاصلة، وفيها مبادرات لتخفيف الضغوط عن حكومة الرئيس الشرع، كما أنها حملت تحذيراً واضحاً من الأميركيين من مغبة أي فشل قد يواجه المفاوضات التي بدأت في مسقط بين واشنطن وطهران.
عودة العراق إلى مساحة الانسجام العربي بعد سنوات من المشاكسة – خصوصاً فيما يتعلَّق بالمقاربات التي اعتمدها اتجاه الملفين السوري والفلسطيني - مؤشرٌ مهم، وهو يبعث على الأمل في وصول قمة بغداد العربية الى تفاهمات استراتيجية بعيداً عن سياسة المحاور التي فاقمت الإنقسام العربي. والأجواء في هذه الوضعية مُهيئة لبلورة رؤية عربية موحدة تقوّي أوراق التفاوض مع الإدارة الأميركية الجديدة التي تجاهر في اعتماد خطة "ترانسفير" للفلسطينيين، لا يمكن قبولها من الجانب العربي، مهما قست الضغوطات، لاسيما من قبل الأردن ومصر المعنيين مباشرةً بتلقي ضربات الخطة الترامبية.
شكَّل العراق على الدوام وزنة سياسية وأمنية وديمغرافية لا يُستهان بها، والانفلاش الإيراني دخل من البوابة العراقية منذ بداياته الأولى. وعودة بغداد الى الإجماع – أو إلى الانتظام – العربي، ليس تفصيلاً بسيطاً، بل سيكون حدثاً استراتيجياً مُهماً على كافة المستويات. فمن جهة سيثبِّت معادلة الانكفاء الإيراني، ومن جهة ثانية سيساهم في تدعيم الموقف العربي اتجاه الإستهدافات الإسرائيلية، ولن تتمكَّن إسرائيل حينها من زيادة منسوب التدخَّل على الساحتين السورية والعراقية، بعد أن توضَّحت صورة نواياها الشريرة، خصوصاً في تشجيعها على تقسيم المنطقة، وإحداث فوضى بين مكوناتها المجتمعية.
إعلان
يتم عرض هذا الإعلان بواسطة إعلانات Google، ولا يتحكم موقعنا في الإعلانات التي تظهر لكل مستخدم.