لبنان وسوريا... إعادة تأسيس العلاقات باهتمام دوليّ
16 نيسان 2025
16:49
Article Content
في ظلّ التحوّلات الإقليمية والدولية، تشهد العلاقات اللبنانية-السورية مرحلةً جديدةً من إعادة التأسيس، تزامنًا مع زيارة رئيس الحكومة نواف سلام إلى دمشق، والتي تُعتبر الأولى من نوعها منذ سنوات.
هذه الزيارة، التي جاءت بدعمٍ سعودي - عربي واضح، تُطرح في سياقٍ أوسع يشمل نقاط عدّة أبرزها الملفات الشائكة، ترسيم الحدود البرية والبحرية بين البلدين، أموال المودعين السوريين في المصارف اللبنانية، المعتقلين والمخطوفين في السجون السورية والموقوفين في السجون اللبنانية، إغلاق المعابر غير الشرعية إلى جانب تعزيز الأمن الحدودي. وكما بات معلوماً اتُفق على تشكيل لجان "تقنيّة" مشتركة لمتابعة هذه الملفات "وفق منهجيّة تحقق نتائج فعالة يريدها الطرفان، فيما أبدت السعودية استعدادها لدعم العملية اقتصاديًّا وسياسيًّا. فما هو الدور السعودي وكيف يمكن أن يترجم هذا الاتفاق؟
السياق العربي - الدولي: دورٌ ضامن
بحسب مصادر سياسية مطلعة لجريدة الأنباء الإلكترونية، فإن زيارة سلام إلى سوريا لم تأتِ من فراغ، بل جاءت عبر "بوابة المملكة العربية السعودية"، التي احتضنت قبل أسبوعين لقاءً بين وزيري دفاع البلدين في جدة، وتزامنت الزيارة مع وصول الموفد السعودي الأمير يزيد بن فرحان إلى بيروت، ما يُشير إلى تناغمٍ واضح في المسار الدبلوماسي. الأمير بن فرحان، الذي يتابع الملف اللبناني عن كثب وفقًا للمصادر نفسها، التقى سلام قبل توجهه إلى دمشق، ثم اطّلع على تفاصيل الزيارة بعد عودته، تحضيرًا لزيارةٍ سعوديةٍ مرتقبةٍ إلى سوريا. هذا الدور السعودي الفاعل يُظهر أن الرياض باتت "الراعي الرئيسي" للملف اللبناني، بدءًا من دعم الاستقرار السياسي وصولًا إلى ضمان التفاهمات مع دمشق.
وفي الإطار ذاته، يبرز دور المجتمع الدولي كشريك أساسي في دعم استقرار لبنان، وإن بمنطق مختلف يركز على المعايير أكثر من التركيز على الوساطة. فوفقاً لمصادر دبلوماسية، تتبلور لدى العواصم الغربية قناعة بأن أي تقدم في العلاقات اللبنانية-السورية يجب أن يترافق مع إصلاحات داخلية في لبنان، خصوصاً في ما يتعلق بحوكمة المؤسسات وشفافية الإنفاق العام. هذا الموقف الدولي ينبع من مخاوف أوروبية-أميركية من أن يصبح التقارب مع دمشق مدخلاً لإعادة إنتاج نظام المحاصصة السياسية في لبنان تحت غطاء جديد، خاصةً أن الدوائر السياسية في بروكسل وواشنطن تُصرّ على ربط أي دعم مالي بضمانات عملية حول إصلاح القطاع المالي ومكافحة الفساد، إلى جانب التقدم في ملف نزع السلاح غير الشرعي.
إذ بينما تتمحور الاستراتيجية الأميركية بضبط وترسيم الحدود من أجل الحد من قدرة استفادة حزب الله، تحاول السعودية تحقيق أبعاد متكاملة، تبدأ بضمان حرية الممرات التجارية بعيداً عن السيطرة الإسرائيلية، مروراً بتأمين طريق بري آمن يربط المملكة بأوروبا يضمن لها عدم الاحتكار الإسرائيلي للموانئ وخطوط التجارة العالمية، ووصولاً إلى تعزيز التعاون الاقتصادي الإقليمي. كل هذه التطورات تؤكد أن العلاقات اللبنانية - السورية لم تعد شأناً ثنائياً فحسب، بل تحوّلت إلى محور رئيسي في إعادة تشكيل التوازنات الإقليمية، حيث تتداخل المصالح وتتقاطع الاستراتيجيات في معادلة بالغة التعقيد، تفرض على جميع الأطراف مراعاة دقيقة للحسابات الجيوسياسية المتشابكة، خاصةً في الفترة الحاليّة.
إعادة التأسيس وسط التحديات الإقليمية
تُحكم العلاقات اللبنانية-السورية تاريخيًّا ب"معاهدة الأخوة والتعاون" الموقَّعة عام 1991، وفي هذا الإطار، فأكثر من 40 إتفاقية تعاون موقّعة بين لبنان وسوريا سابقاً، باتت رهن الإلغاء أو التعديل مع سقوط النظام السوري الذي كان عرّاب كلّ تلك الاتفاقيات، والتي اعتُبرت في الماضي أداةً للهيمنة السورية على لبنان. اليوم، يُطرح سؤال حول مصير هذه المعاهدة في ظلّ الدعوة إلى "إعادة تأسيس العلاقات على أساس الاحترام المتبادل"، كما قال سلام، مشيرًا إلى أن بعض الاتفاقيات السابقة "بحاجة إلى إعادة تقييم".
وعلى المقلب الآخر، وبالرغم من أن هذا التقارب سيكون إيجابياً للبلدين في حال تم استثماره بالطريقة المناسبة، إلا أن مصادر معنيّة تؤكّد أن هذا التقارب لا يلقى ترحيبًا من جميع الأطراف، فبعض الجهات الدولية، وعلى رأسها الاحتلال الإسرائيلي، تعتبر استقرار العلاقات بين البلدين تهديدًا لمصالحها الإستراتيجية، إذ إنها تسعى تاريخيًا إلى إبقاء المنطقة في حالة توتر. كما أن جهات إقليمية أخرى تُفضّل استمرار الفوضى على الحدود، مما يسهّل عمليات تهريب الأسلحة الخفيفة والمواد الممنوعة، وفقًا للمصادر ذاتها.
في الختام، زيارة سلام إلى دمشق، بدعم سعودي ودولي، قد تكون بدايةً لمرحلةٍ أكثر استقرارًا في العلاقات الثنائية. لكن نجاحها يبقى مرهوناً بتحقيق تقدمٍ ملموس في الملفات الشائكة، وفي مقدمتها الحدود والأمن، مع ضمان عدم عودة الهيمنة السورية بأشكالٍ جديدة. كما أن التوازن الإقليمي، وخصوصًا الملف النووي الإيراني، سيظلّ عاملاً حاسمًا في تحديد مستقبل لبنان وسوريا معًا. إذ يبدو أن لبنان، رغم كل التعقيدات، مقبلٌ على "أجواء إيجابية"، لكن الطريق لا يزال طويلًا قبل ترجمة الخطوات الدبلوماسية إلى واقعٍ ملموس.
إعلان
يتم عرض هذا الإعلان بواسطة إعلانات Google، ولا يتحكم موقعنا في الإعلانات التي تظهر لكل مستخدم.