بعبدا تضجُّ بالحركة والضيوف من دون قهوة
15 نيسان 2025
17:21
آخر تحديث:23 نيسان 202511:14
Article Content
زوار القصر الرئاسي في بعبدا يلاحظون من دون عناء المنسوب العالي للحراك الرئاسي، وعجقة المواعيد وكثافة اللقاءات. وسيد القصر مُتماسك ومتابع لكل تفاصيل ما يجري، ويعيرُ انتباهاً واضحاً لمُحدثيه، مهما كانت فئتهم، وأياً كان الموضوع المطروح. والملفات كثيرة ومُتشعبة، ومنها مُتعبٌ جداً، او يُنتج بعض الإحراج الوطني، لكن قوة التصميم على تجاوز الصعوبات متوافرة، وإرادة الولوج الى إعادة بناء الدولة وإصلاح مؤسساتها؛ موجودة، ولا تتهيَّبُ من المواجهة.
لكن الزائر لأروقة بعبدا يلاحظ عدم تقديم قهوة، او أي ضيافةٍ أخرى للزائرين، كما كان الوضع في السابق، ولا نملك تفسيراً واضحاً لإغفال هذا الجزء من اللطافة الرئاسية، برغم الكرم الحاتمي الذي يقدمه صاحب الفخامة لضيوفه في مجال الاهتمام لمطالبهم، وسماعِ رؤاهم بكل دقةٍ ونصوت. وهل هذا الإغفال بداعي التقشُّف، أم بسبب ضيق الوقت الموزَّع بكاملهِ للإستثمار في العمل، أم هو تقصيراً بروتوكولياً لفريقٍ مُخضرم مُتجانس، ولا تنقصهُ الخبرة ولا الكفاءة. ونرجوا أن لا يكون السبب اعتقاداً بأن صورة فنجان القهوة أمام الرئيس وضيوفه لا تليقُ بالمقام. علماً أن الضيافة ليست فريضة عامة على المقرات الرئاسية في كافة الدول، ولكنها عادة عربية أصيلة، والرئيس جوزيف عون؛ مُتمسكٌ بالعادات اللبنانية والعربية، وهو عربيُ الهوية والإنتماء، تماماً كما ينصُّ عليه دستور لبنان.
والضجيج الرئاسي الناجع؛ لا يتبيَّن مميزاً لأنه حركة وبركة بعد مرور القصر بفراغٍ وركود طيلة ما يزيد عن 26 شهراً قبل انتخاب العماد جوزيف عون في 9 كانون الثاني 2025، بل لأن ورشة العمل الواسعة التي يقوم بها الرئيس ومعاونيه، أحدثت فرقاً واضحاً، عن حقبة ماضية كنا قد شاهدناها بأم العين مباشرةً او عبر الشاشة او الأثير.
حضرّنا مع وفد مصغَّر يمثل المعهد العالمي للتجديد العربي الذي يضمُّ أكثر من ألف من الأكاديميين والمفكرين وأساتذة الجامعات العربية على اختلافها، والهدف طلب رعاية الرئيس للمؤتمر الخامس للمعهد المُزمع عقده العام القادم في بيروت، ولإطلاعه على نشاطات المعهد الذي سيفتتح مؤتمره الرابع هذا الشهر في تونس، وستُقدَّم فيه 60 ورقة بحثية مقيَّمة، وبمختلف المجالات الحقوقية والسياسية والتكنولوجية والعلمية والتاريخية والطبية والهندسية وغيرها. وغرض من الأبحاث تطوير المفاهيم العربية في المجالات المختلفة، والتأكيد على كون العرب قادرون على مواكبة العصرَنة بكل جدارة، مهما بلغت شدَّة الضغوطات عليهم، ومهما كان نوع التحديات التي يواجهونها.
استعرض الرئيس جوزيف عون رؤيته، وبإيجاز كان كافياً لإقناع المشاركين بتصميمه على إعادة الانتظام العام للدولة، وهو لن يُهادن في ملف اقتلاع الفساد من مؤسسات الدولة الخدماتية، كما لن يفرِّط بأي انتهاك للحق العام، او للمالية العامة. وبالتوازي مع هذه الثوابت، يبدو عون واثقاً من تنفيذ تعهدات خطاب القسم، ومُندرجات البيان الوزاري لحكومة الرئيس نواف سلام، وأهمها حصرية السلاح بيد القوى الشرعية، وهو يشير من دون أي تفصيل الى إيجابية معقولة يتعاطى بها حزب الله فيما يتعلق بتسليم السلاح، مُندِداً باستمرار إسرائيل احتلال النقاط الخمس في الجنوب ومن دون أي مبررات مُقنعة.
ورشة إعادة البناء واستعادة الهيبة والإصلاح؛ قد انطلقت، وما بعد 9 كانون الثاني 2025 ليس كما قبله. والحكومة تعمل بكل جدية لتجاوز المعوقات والعراقيل، وزيارة رئيس الحكومة نواف سلام الى دمشق؛ كانت مُنتجة، وحصدت غلَّة سياسية كبيرة، خصوصاً في مجال ضبط التهريب، وتسوية الإشكاليات الحدودية المتبقية، وصولاً الى حد التفاهُم على مستقبل ملف النازحين السوريين في لبنان، بتعاون ومساعدة من الأشقاء العرب، والمملكة العربية السعودية وقطر يساعدان كثيراً في هذا السياق.
أمَّا الإنفلاش الإعلامي المُخيف في بعض وسائل الاعلام، كما على منصات التواصل الاجتماعي – وهو ما أثاره الوفد كونه يُسيء للعروبة وللأشقاء ولبعض المرجعيات والأديان – فقد تفهَّم الرئيس خطورة الاستمرار في هذه الوضعية التي تثير النعرات وتضرّ بمصلحة لبنان، واعداً ببذل جهود في هذا السياق، وبما لا يتعارض مع حرية الرأي التي كفلها الدستور، بحيث أن التشهير والسُباب، يختلف جوهرياً عن مفهوم الحرية، ولا بد من ضوابط تمنع إثارة النعرات الداخلية، وتحمي الثوابت اللبنانية، لا سيما نهائية الكيان اللبناني، وكونه عربيُ الهوية والانتماء.
إعلان
يتم عرض هذا الإعلان بواسطة إعلانات Google، ولا يتحكم موقعنا في الإعلانات التي تظهر لكل مستخدم.