حسابات المنافع والأضرار في المفاوضات بين واشنطن وطهران
12 نيسان 2025
08:42
Article Content
القرار الأميركي بالتفاوض المباشر مع إيران ليس عادياً، وهو يختلف عن السياقات السابقة التي كانت فيها واشنطن تتبادل بعض الخدمات السياسية والأمنية مع طهران، ومن دون إشهار ذلك، أو بالسرّ، لا سيما إبان وجود الديمقراطيين في هذه الإدارة. وقرار إيران قبول هذا التفاوض رغم معرفتها بالمطالب والشروط الأميركية غير العادية؛ يُعتبرُ تحولاً كبيراً، ولا يقلِّل من أهميته حياكة الصياغات الإيرانية الدقيقة لعناوين المباحثات، ولا اعتبارها للمفاوضات بأنها غير مباشرة وتنقلها الدبلوماسية العُمانية الخفيفة الظلّ.
الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان قال ان المُرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي؛ لا يمانع في وجود استثمارات أميركية في البلاد، وهو مُنفتح على التفاوض مع واشنطن، وما يهمه هو مصلحة الأمة كما قال. وفي الوقت ذاته، عمَّمت أوساط الحرس الثوري الإيراني تسريبات فيها شيء من التهديد المبطَّن إذا لم تنجح المفاوضات، أو على سبيل حفظ أوراق المشاكسة، وتشير فيها إلى أن فصائل من الحشد الشعبي العراقي أصبحت تملك صواريخ باليستية، وصواريخ كروز طويلة المدى وسريعة جداً، قادرة للوصول الى أهداف بعيدة جداً. وهذه نمطية إيرانية قديمة، تعتمد على ازدواجية واضحة، تتجنَّب من خلالها خوض المعارك مع الأعداء على الأراضي الإيرانية، وتفضلُها على أرض الغير من الأذرع أو الحلفاء.
في المقابل، فإن الرئيس الأميركي دونالد ترامب كان واضحاً في حماسته للمفاوضات مع طهران عن طريق عرض "الجزرة" وفي ذات الوقت، أبقى على "العصا" الغليظة في يده، مهدداً بالويل والثبور في حال فشل التفاوض، أو في حال رفضت إيران شروطه. ولكن المعطيات تؤكد أن ترامب مُتحمِّس للتوافق مع طهران، وهو على استعداد لتجاوز بعض المُقيدات، لأن مصالح مالية وتجارية "حرزانة" تدفعه لاعتماد هذه المقاربة، وما يؤكد ذلك الغضب الذي بدا على وجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عند خروجه من البيت الأبيض في 7 نيسان/أبريل، والمعلومات تقول إن ترامب فرض عليه السكوت عن ما ستقوم به إدارته مع إيران. بينما معلومات صحافية أخرى تحدثت عن توزيع أدوار بين واشنطن وتل أبيب في هذا السياق، بحيث تستفيد واشنطن من مغانم أي اتفاق محتمل مع طهران، وتقوم إسرائيل بضرب أهداف استراتيجية في ايران على شاكلة منفردة، بحجة أو بدون حجة.
ما هي المنافع التي تتطلع اليها إدارة الرئيس ترامب من الحوار مع طهران؟
بالدرجة الأولى، تحييد إيران عن الصين، وحرمان الأخيرة من مواد نفطية وغازية ومعدنية مهمة، تحصل عليها من إيران القريبة منها نسبياً، كما تقلِّص الى الحدود الدنيا اعتماد الصين على الأراضي والموانئ الإيرانية للولوج الى تحقيق أهداف خطة "الحزام والطريق" التي أطلقتها في العام 2013. وبذلك تُوقف الاندفاعة الصينية نحو فرض حضور دبلوماسي في منطقة الشرق الأوسط وغرب آسيا، وتمنع أي حراك صيني في هذا السياق، على شاكلة ما قامت به بين السعودية وإيران، اللذين وقعا على تفاهُم بينهما في العاصمة الصينية في آذار/مارس 2024، مما أغضب الإدارة الأميركية.
ويهدف ترامب بالدرجة الثانية والأساسية من وراء اتفاقه المُحتمل مع طهران، للإستفادة القصوى من الاستثمارات المُغرية التي يمكن أن تحصل، لأن إيران تحتاج الى إعادة تأهيل وتجديد بنيتها التحتية - الاقتصادية والنفطية – بعد حصارٍ استمرّ لسنوات، وغالبية منشآتها متهالكة، بما في ذلك قطاع النقل الجوي، الذي أصبح عبئاً يسبِّب حوادث وخسائر كبيرة. وتقول المعلومات الموثوقة في هذا السياق، إن الأميركيين سيقدمون اغراءات مهمة للإيرانيين، منها الموافقة على بيع 80 طائرة نقل حديثة، قيمتها تزيد عن 18 مليار دولار، وإعادة تأهيل المنشآت النفطية المتهالكة، ولاسيما محطات التكرير والاستخراج، كذلك تجديد أسطول النقل البحري، وبطبيعة الحال سيسبق ذلك رفع للعقوبات وإعادة مبالغ مالية مُجمَّدة في البنوك الأميركية.
ويعطي المتابعون الملف النووي الإيراني وموضوع اليمن والعراق والأذرع الإيرانية الأخرى، الدرجة الثالثة في أولويات التفاوض، وهو ما أزعج إسرائيل. والتقديرات تُشير إلى تفاهُم أولي قد حصل على إيقاف النشاط العسكري للمفاعلات النووية الإيرانية، وهناك شبه تفاهم على التخلِّي عن اليمن تحت شعار استقلالية الأذرع في اتخاذ القرار، وهذا ينطبق على حزب الله والحشد الشعبي وحماس.
أما إذا لم تُرسِ عملية دفع الريال الذهبي الإيراني على وجهة "النقشي" الايجابية وغلبت عليه وجهة "الطرّة" السلبية، وهو ما لا يتوقعه متابعون ذوي خبرة طويلة، فالخيارات مفتوحة على احتمالات متعددة، لكن الأوراق التي يمكن لواشنطن أن تلعبها لمواجهة إيران كثيرة ومتعددة، وفي الوقت ذاته؛ فإن ايران تملك قدرة وازنة على الصمود، ويمكنها الاعتماد على شيء من المساندة الصينية، وبدرجة أقل الروسية، لكن لهذا الصمود ثمن، تتجنَّب طهران دفعه، خصوصاً منه ما يتعلق بالخطر على النظام، وبنتائج الضربات العسكرية المؤلمة.
إعلان
يتم عرض هذا الإعلان بواسطة إعلانات Google، ولا يتحكم موقعنا في الإعلانات التي تظهر لكل مستخدم.