هل يتّجه قطاع الإتصالات انحداراً كقطاع الطاقة؟
20 آذار 2025
06:00
آخر تحديث:20 آذار 202512:58
Article Content
كتب المحرّر السياسي:
لطالما شكّلت ظاهرة الإنترنت غير الشرعي في لبنان معضلة حقيقية، ولا تزال تشكّل لغاية اليوم التحدي الأصعب لدى أصحاب القرار، وذلك نظراً للانتشار الواسع لهذه الظاهرة بحيث أصبح حجمها يشكّل أكثر من ثلثي سوق الإنترنت في لبنان.
وكان المرسوم رقم 9458، والصادر في 24 حزيران 2022، قد تضمّن حلاً حقيقياً لهذه الظاهرة يضمن استعادة دور الدولة في تنظيم القطاع، كما وتأمين موارد إضافية للخزينة العامة، وفي الوقت نفسه المحافظة على استمرارية خدمات الإنترنت للمواطن. ولكن، للأسف، اصطدم المرسوم بعدة عراقيل أجهضت تقدّمه وفاقمت المشكلة.
وأمام هذا الواقع، تُطرح عدة أسئلة جدّية لتحديد مسار هذا القطاع الحيوي للاقتصاد والمجتمع وهي:
1 – أين أصبح تطبيق المرسوم رقم 9458 بعد أكثر من سنتين ونصف على صدوره، وهو المنظّم الأساس الحالي للقطاع والجاهز حالاً للتطبيق حيث:
-يتضمّن في قسمه الرابع معالجة لواقع الشبكات المنشأة خلافاً للقوانين (والخدمات المؤمّنة عبرها)،أي سوق الإنترنت غير الشرعي والتي أصبحت تسيطر على القطاع، وتديره بحكم حجمها وانتشارها، وتفوق خدماتها ذات الحزمة العريضة والملبية مباشرةً لحاجات المواطنين المتزايدة على الخدمات الشرعية المنظّمة من قِبل الوزارة،
-يعدّل وينظّم خدمات الإتصالات على أنواعها لجهة التلبية الكاملة لحاجات سوق الإنترنت والداتا، ولا سيّما الخدمات المباشرة للمواطنين وخدمات "الجملة" المقدّمة للشركات الخاصة المرخّص لها تزويد خدمات مماثلة للمواطنين،
- يعدّل وينظّم إلى جانب مراسيم تراخيصها الخاصة الحقوق اللّازمة لشركات نقل المعلومات DSPs بإقامة وإدارة واستثمار شبكات خاصة متطورة من أجل تقديم الخدمات المباشرة للمواطنين، وخاصةً التعديل لناحية تطوير أحكام حق المرور والربط في المرسوم رقم 11883 تاريخ 2023/08/08، والذي عدّل المرسوم المنظّم الأساس لهذه الجهة، وجعلَ من الشركات شريكاً أساسياً للوزارة في تقديم خدمات اتصالات موازية، ولكن ضمن منافسة عادلة ومشروعة، وليس شبيهاً بما تقوم به الشبكات المخالِفة، فمن المنطقي أن تسرع الوزارة إلى تفكيك العقد أمام تفعيل كل حقوق ال DSPs، علماً أنّ من واجبها الإلتزام بما منحه مجلس الوزراء لهذه الشركات إلى حين تصبح الدولة قادرة على القيام بكامل الإنماء المطلوب منها، وهو ما لم يحصل حتى اليوم، ولا يمكن تحقيقه في المدى القريب،
كما ولا بد من ذكر ما ينقص تلك الشركات من ترددات هرتزية لتطوير شبكاتها اللّاسلكية وفق النصوص القانونية النافذة، والتي تمنحها حق الحصول عليها.
وتشير المصادر المختصة المطلعة إلى أنّه يستحيل السير قُدُماً ما لم يتم تطبيق هذا المرسوم المنظّم الأساس وتعديلاته في المرسوم 2023/11883 ودون أي تجزئة، أو انتقاء لأي جزء منها، وذلك في مقدمة أي مشروع آخر أكان إنشاء بنى تحتية جديدة، أو غيره من مشاريع تطويرية تتطلب المغامرة باستثمارات كبيرة في ظل منافسة غير مشروعة تقوم بها الشبكات غير الشرعية؛ بمعنى آخر يجب أن يبدأ مشروع تطوير البُنى التحتية بضبط الشبكات المنشأة من دون تراخيص، وبالتالي استكمال ما تنصّ عليه الأنظمة النافذة بالاتجاه التطويري نفسه.
ومع إعادة التذكير المستمر على أنّ تحصيل الإيرادات الفائتة على الخزينة العامة، ورفدها بإيرادات إضافية واستعادة رأسمال الوزارة المفقود لصالح الشبكات والخدمات غير الشرعية، هو واجب أساسي أمّنه المرسوم 2022/9458 في ظل الأنظمة المرعية الإجراء دون الرضوخ إلى ترخيص أو تشريع الأمر الواقع المخالف.
وتشير نفس المصادر المختصة والمطلعة إلى أنّ ما يعيشه قطاع الإتصالات اليوم من تراجع الوزارة في تأمين الخدمات المباشرة للمواطنين، ومن جهة أخرى تقاعسها غير المبرّر عن تأمين خدمات "الجملة"، وتفعيل الحقوق اللّازمة للشركات الخاصة المرخّصة الملتزمة بأحكام تراخيصها كي تقوم بدورها في تقديم الخدمات الشرعية مباشرةً للمواطنين، فضلاً عن التنظير الواسع الأفق وطرح الحلول السهلة التي تتطلب مشاريع مكلفة، وتكون بالتالي على حساب المواطن بدلاً من استرداد ما خسرته الدولة من موارد حيوية تلبي حاجات القطاع، هو جريمة بحق القطاع والشركات الخاصة الممارسة لتراخيصها والمستثمرة بطريقة شرعية، وخاصةً في ظل استكمال فتح خطوط دولية ومحلية من قبل الإدارة لشركات ثبتت عليها مخالفات عديدة، وأضحت دون رقابة مالية وفنيّة جدية وفعالة، ولم تطبّق عليها أحكام القسم الرابع من المرسوم (بدايةً من ضبط الشبكات المخالفة المنشأة والمستخدمة من قبل هذه الشركات ووضعها بتصرف الوزارة لإدارتها ومراقبتها).
2 – ماذا فعلت الوحدات المختصة في وزارة الإتصالات وهيئة أوجيرو لتطبيق أحكام القسم الرابع من المرسوم المذكور، وهي المعنيّة قانوناً بالتطبيق، علماً أن جميع الإمكانيات والوسائل متاحةً لديهم للتطبيق بالكامل،
إذ أنّه منذ صدوره في 24 حزيران 2022، كان هدفها استيفاء حصة الوزارة عن كل مشترك بالإنترنت غير الشرعي على الأراضي اللبنانية، وهذا مخالف تماماً لما ينصّ عليه المرسوم، ففي حال اعتُمدت هذه الطريقة في استيفاء الوزراة لحصّتها تصبح شركات الإنترنت غير الشرعية والمخالفة أمراً واقعاً على شكل مولّدات الأحياء للتيار الكهربائي غير الشرعية، وتكون الوزارة قد رخّصت أمراً واقعاً مخالفاً، ودمّرت بالتالي رؤوس مال انبنت ضمن الأطر الشرعية لصالح مَن خالف وسرق الدولة.
فالغاية من المرسوم هي وضع الأطر اللّازمة لتأمين انتقال الشبكات المخالِفة والمضبوطة إلى وزارة الاتصالات، أو الشركات المرخّصة التي تعمل وفقاً للأنظمة التي على الوزارة أن تطبقها مع الحفاظ على استمرارية الخدمة، الأمر الذي يؤمن المال للخزينة العامة نتيجة استمرارية الخدمة، ولكن وفق الأنظمة والمراسيم المرعية الإجراء، ويستعيد بالنهاية رأسمال الوزارة المهدور.
3 – إنّ المعلومات المتوفرة والمتداولة حول ظاهرة الإنترنت غير الشرعي (السوق غير الشرعي) هي حوالي المليون مشترك، بعدما كان حوالي 700 ألف مشترك عام 2022، أي أنّ هذه الظاهرة قد تفاقمت بعد صدور المرسوم المذكور أعلاه على عكس ما كان يجب أن يحصل.
4 – إنّ قيمة قطاع الإتصالات في انحدار مستمر منذ سنة 2017، وأسرع من أي وقتٍ مضى والحل لاستعادة رأسمال وزارة الإتصالات المهدور وتحصيل الإيرادات الفائتة على الخزينة العامة موجود، ونافذ، في المرسوم المذكور، وهو الإطار التنظيمي الوحيد لسوق الإنترنت حيث حصة غير الشرعي منه أصبحت تشكّل اليوم أكثر من 70% بحكم تلاشي الإدارة والحزمة الواسعة النطاق للخدمات المقدّمة من قبل ديوك الأحياء لهذا السوق تلبيةً لحاجات المواطنين المتزايدة، لكننا نسمع الوزير الجديد يتكلّم عبر الإعلام عن عناوين ومشاريع جديدة كبيرة لا تعالج على المدى المنظور الوضع الشاذ المتفاقم وكأنه ليس موجوداً، علماً أنّه من البديهي أنّ يُسرع الوزير الجديد ووزارته إلى الحفاظ على ما تبقى من قيمة للقطاع بالحد الأدنى والمباشرة بوقف استمرارية الهدر حتى استعادة كامل الانتظام العام.
وبمعنى آخر، إنّ المشاريع المتداولة اليوم هي قوانين ومراسيم قد صدرت ولم تستكمل (LibanTelecom) واستكمالها مهمٌ جداً، إنّما لحين الانتهاء من تأسيسها وتنفيذها تكون الشبكات غير الشرعية قد أنهت ما تبقى من رأسمال وأصول الوزارة، وأضحت LibanTelecom حينئذٍ عنواناً دون مضمون.
5- هل يتمّ الإكتفاء بتصاريح شكلية لبعض الشركات المرخصة لإنشاء وإدارة واستثمار شبكات خاصة لنقل المعلومات DSPs، ويتمّ ايداعها لدى وزارة الاتصالات- المديرية العامة للاستثمار والصيانة كتغطية لظاهرة الإنترنت غير الشرعي وهذه التصاريح ساعدت، ولا تزال تساعد، هذه الشركات المحظية على استمرار المخالفات التي ترتكبها.
6 – هل سيتم تحرير القطاع الخاص من الكفالات المالية عبر فرض مبدأ التوطين لكامل الفواتير ولكل الخدمات (الدولية والمحلية) على جميع الشركات بدون إستثناء، والذي يضمن المساواة بين الشركات ويمنع شركة متخلفة عن الدفع ضمن المهل المحددة من مراكمة أرباحها على حساب الدولة والشركات الأخرى الملتزمة وصاحبة الأهلية المالية؛ علماً أن الرقابة على إصدار الفواتير وتحصيلها وطريقة دفعها (في غياب التوطين) شبه معدومة وبالتالي غياب الشفافية التي يجب أن ترعاها الإدارة في التحصيل.
ان عدم تطبيق مبدأ التوطين والإكتفاء بالذي يجري حالياً من استنسابية في القرارات، وتقديم تسهيلات غير مبررة، وإعفاء بعض الشركات مقابل إلزام أخرى أصبح لعبة تجارية تبعد كل البعد عن العمل التنظيمي المتوجّب على الإدارة، ومن هنا تبقى الكفالات شكلية لم تؤدِّ الغاية المرجوة منها فتكون الشركات الملتزمة جمّدت أجزاءً من رأسمالها وإمكانياتها لحساب المنافسة غير المشروعة، فضلاً عن الخطر الدائم لخسارتها رأسمالها وإمكانية الاستفادة منه في مساعدة الدولة في تطوير القطاع.
7 – هل يتمّ تقديم تسهيلات للشركات الخاصة من خلال تقديم شيكات شخصية، أو شيكات مشتراة من الغير، أو كتابة تعهدات بدفع مستحقات للوزارة وفقاً للاستنسابية والانتقائية غير المبررة وغير المستندة على القوانين المرعية الإجراء.
8– هل يتمّ اتّخاذ الإجراءات القانونية اللازمة للمتخلفين عن الدفع من هذه الشركات الخاصة، وكيف يتم تحصيل المستحقات؟
هل هناك مراقبة من قبل الجهات صاحبة الصلاحية لما تقوم به الوزارة لجهة تحصيل المتأخرات، خاصةً بعد الفضيحة الأخيرة التي أظهرت شركات خاصة كبيرة وهي تراكم أرباحاً على حساب الدولة (وتدفع مستحقاتها للوزارة عندما تشاء وإذا شاءت؟)
9- إنّ الاستنسابية في إصدار القرارات التأجيرية للخدمات العائدة لشركات على حساب شركات أخرى تؤدي إلى زيادة المشتركين لدى البعض، وحرمان البعض الآخر من هذه الزيادة، وبالتالي لا توجد أية مساواة وتوازٍ في التعامل من الإدارة مع هذه الشركات.
أخيراً، نضع هذه الأسئلة وسواها بعهدة معالي وزير الاتصالات، السيّد شارل الحاج، وكلّنا ثقة بقدراته وإمكانياته نظراً للنجاحات والخبرات التي حقّقها في القطاع الخاص، فهو اليوم أمام تحدٍ كبير لإنهاء الظاهرة غير الشرعية، والتي يعلم يقيناً بخطورتها، علماً أنّه لا زالت هناك معلومات إضافية نتحفّظ عن نشرها في الوقت الحالي.
إعلان
يتم عرض هذا الإعلان بواسطة إعلانات Google، ولا يتحكم موقعنا في الإعلانات التي تظهر لكل مستخدم.