الاستحقاق الكبير الذي سيحدد المصير
13 آذار 2025
18:57
Article Content
تدل كل المواقف والمؤشرات السياسية إلى أن الانتخابات البلدية والاختيارية المقررة في الربيع المقبل والانتخابات النيابة المقررة في ربيع العام 2026 ستكونان الأهم والأخطر من كثير من الاستحقاقات المماثلة التي سبقتهما وتحديدا منذ إقرار "اتفاق الطائف" دستوريا وحتى اليوم.
فما بعد هذه الانتخابات بشقيها البلدي والنيابي سيكون غير ما قبله، وعلى نتائجها سيتقرر مصير مختلف القوى والافرقاء السياسيين ومستقبلهم في الحياة السياسية اللبنانية التي شهدت وتشهد متغيرات كثيرة في ضوء نتائج الحرب الإسرائيلية الأخيرة والتي تعرض فيها حزب الله الحزب الأكبر والاقوى في لبنان لضربات موجعة كبيرة جعلت كثيرين وخصوصا خصومه يتعاطون معه على اساس على أنه هزم وضعف وانكسرت شوكته وفقد نفوذه والتأثير الذي كان له على مدى اكثر من 40 عاما في داخل لبنان وخارجه، خصوصا بعد خسارته أمينه العام السيد حسن نصرالله الشخصية الكاريزمية والآسرة في تأثيرها على العدو الاسرائيلي قبل الآخرين، اذ كان بشهادة اعدائه وحلفائه على حد سواء يشكل "محور المحور"، اي "محور المقاومة". ولذلك تتصرف القوى السياسية على اختلاف مشاربها الآن على أساس أن توازنات جديدة في القوى والاحجام طرأت على الميدان السياسي ما يفرض على الجميع الاستعداد للدخول في واقع جديد في الوقت الذي تهجم الولايات المتحدة الأمريكيةبرئاسة دونالد ترامب على لبنان والمنطقة داعمة إسرائيل في كل ما تخوضه من معارك سياسية وعسكرية حتى لو وصل بها الأمر إلى توجيه ضربة عسكرية مدمرة لإيران لانها تشكل في رأيها خطرا وجوديا عليها كونها رأس حربة "محور المقاومة" والداعم الكيبر لكل المقاومات التي تهدد امن الدولة العبرية ومصالحها والمصالح الأميركية الإقليمية والدولية.
والمشهد السياسي الداخلي يكشف الآن عن أمرين:
ـ الاول، ان حزب الله وحلفائه يتصرفون على أساس أنه إنتصروا في الحرب بمجرد أن إسرائيل لم تتمكن من القضاء عليهم كليا، وإنهم منعوها من تحقيق أهدافها من هذه الحرب، باجتياح لبنان وأخضاعه لمشيئتها وفرض السلام والتطبيع عليه، اذ كانت تريد الوصول إلى بيروت كما فعلت عام 1982. ولذلك هم يستعدون بكل ما اوتيوا من قوة وإمكانات سياسية ومادية لخوض غمار الانتخابات البلدية والنيابية والخروج منها بنتائج كبيرة تضحد مقولات خصومهم بأنهم هزموا وضعفوا ووهنوا وباتوا آيلون الى السقوط والاندثار، بحيث أن "الحزب" وحلفائه يطمحون للفوز بأكبر عدد ممكن من المجالس البلدية ليبنوا عليه للفوزلاحقا في الانتخابات النيابية بأكبر عدد ممكن من المقاعد في مجلس نواب العام 2026 بما يجعلهم مؤثرين وفاعلين في السلطة الجديدة التي ستنشأ من هذه الانتخابات
ـ ثانيا، خصوم "حزب الله" من جهتهم يستعدون لخوض معركة "كسر عضم" انتخابية ضده بكل يملكون من قوة وإمكانات ودعم داخلي وخارجي للفوز بالغالبية النيابية في مجلس نواب 2026 حتى إذا نجحوا في ذلك انشأوا السلطة الجديدة التي قد تقوض الحزب وحلفاءه سياسيا أو تخرجهم من السلطة نهائيا وتعمل على اقامة النظام السياسي الذي تعتبره "الانسب للبلاد"، والذي كان خصوم الحزب يعلنون عناوينه ولا يزالون في كل مواقفهم ومناسباتهم السياسية حتى إذا كانت لهم هذه السلطة يمسكون عندها بمسار الحياة السياسية وينقلون لبنان إلى المكان الذي يرونه من وجهة نظرهم المناسب مستقبله.
ولاجل هذا يحاول خصوم "حزب الله" الآن الاستثمار في المتغيرات الداخلية الإقليمية والدولية الجارية في ظل مشاريع الإدارة الأميركية الترامبية خصوصا بعد ما فقد "محور المقاومة" داعما أساسيا بل ركنا كبيرا من اركانه ممثلا بالنظام السوري الذي سقط في كانون الاول الماضي ما جعله مضطربا ومهددا بالتفكك خصوصا في ظل ما تتعرض له رئيسته إيران من حصار وضغوط وتهديد وهي تعمل على تلافي الضربة العسكرية التي تلوح بها إسرائيل ضدها، بل تلوح بها إدارة ترامب حيث تمارس حيالها الآن سياسة "العصا والجزرة"، فهي من جهة تدعوها إلى التفاوض للتوصل إلى اتفاق جديد على برنامجها النووي وفق الشروط الأميركية التي ترى فيها إسرائيل ما ينهي قلقها وخوفها من هذا البرنامج التي تعتبره خطرا وجوديا عليها. حتى إذا لم يحصل هذا التفاوض تلجأ واشنطن عندها إلى الخيار العسكري الذي لا يزال ترامب يقول أنه لا يفضل اللجوء إليه، وإنما يفضل الحل الديبلوماسي عبر المفاوضات.
على أنه من الآن وحتى موعد الانتخابات البلدية ومن ثم النيابية لايمكن التكهن بما متوقع حصوله من تطورات واحداث في لبنان والمنطقة.
ولكن إذا لم يحصل ما ليس في الحسبان وجرت الانتخابات البلدية والنيابة فإنها ستكون هذه المرة أكثر انتخابات سيلعب فيها المال والتجييش السياسي والطائفي والمذهبي دورا كبيراً وخطيراً خصوصا وأنه يصادف هذه المرة إن الانتخابات البلدية تسبق الانتخابات النيابية بسنة ما يعني أن الأولى ستكون "بروفة" للثانية بمعنى أن القوى السياسية ستخوضها على أساس انها اختبار قوة قبل الذهاب الى الاستحقاق النيابي في ربيع 2026، وعلى ضوء النتائج البلدية سيحاول الافرقاء اكتشاف نقاط القوة والضعف في قواعدهم الشعبية التمثيلية والبناء على ذلك استعدادا لبناء التحالفات النيابية وربما السياسية وخوض الاستحقاق الكبير الذي سيحدد المصير في أيار 2026 .
إعلان
يتم عرض هذا الإعلان بواسطة إعلانات Google، ولا يتحكم موقعنا في الإعلانات التي تظهر لكل مستخدم.