بين آذار وآذار.. انتهى الإنتظار ولكن
13 آذار 2025
18:19
آخر تحديث:13 آذار 202518:59
Article Content
زلزال اغتيال المعلم الشهيد كمال جنبلاط في السادس عشر من آذار عام 1977، حرَّك الوجدان السياسي الانساني في لبنان والعالم العربي وربما العالم. قد تكون كلمات الشاعر شوقي بزيع تختصر فظاعة المشهد يوم قال: «أرض الخسارة يا لبنان»، وتساءل: «هل رجل يعيد للناس بعد اليوم ما خسروا؟».
لم يخسر الناس في استشهاد المعلم كمال جنبلاط مفكّراً وسياسياً ورئيس حزب، هو الأول من نوعه في لبنان، فحسب، بل خسر العالم في ذاك اليوم الأسود، قيمةً إنسانية، أتت من أجل الإنسان، لا الأنظمة ولا المعسكرات ولا الاصطفافات ولا المصالح والمكاسب والغطرسة.
خسر لبنان والعالم العربي، والعالم في ذاك اليوم، قيمة عرفت مساوئ الليبرالية وصوبت عليها، ووقفت في وجه الرأسمالية بالمنطق والأدلة والبرهان، وناقشت الاشتراكية، لتقول لنا إن الاشتراكية لا تنفع إن لم يكن محورها الإنسان، فأتى الفكر التقدمي الاشتراكي، ومحوره الاستثمار في النفس الإنسانية والمجتمع لكي يكون التقدم إنسانيا وتشاركياً وحقيقيا.
فكرٌ تحرّري واضح ومتقدّم لِمن رفض سوق الناس إلى مصيرها كالغنم رغم إرادتهم، بل أرادهم بشراً أحراراً يقرّرون ما يشاؤون ويؤمنون بما أرادوا عن قناعة وحسن قرار. فكرٌ تقدّميٌ تسقط فيه الموبقات، والقيود فتصبح الأرض لفلاحيها والبيوت لمن يحميها ويسكنها. فكرٌ يطرح أسئلة ويُجيب عنها، لا يؤمن بالجماد، ويدفع المرء نحو التقدّم في الاتجاه الصحيح. فكرٌ يُذكرنا في الأمس واليوم، وسط رياح الرأسمالية العاتية أنه لا ينفع الإنسان شيء إن ربح العالم بكل ما فيه، وخسر نفسه وقيمته.
كمال جنبلاط، الذي وضع نصب عينيه الإنسان، أطلق نضالا اجتماعيا وسياسيا أقل ما يقال فيه، إنَّه جريئاً: حرك الشعوب وألهمهم، ودفعهم لنصرة أنفسهم في السياسة والاجتماع والاقتصاد تحت قاعدة: من لا يجرأ على صناعة التاريخ لا يلبث هذا التاريخ أن ينقلب عليه.
حرّك ذلك المعلم الذي تخلّى عن البرجوازية وأخذ على عاتقه تحرير الإنسان، أفكارا نضالية نلتمسها نحن الذين نغرس من معينه، فكيف أولئك الذين عاصروه؟
دان كمال جنبلاط الجدل لأجل الجدل، قائلا، عندما تناقش أحداً في أمر يهمه أو يهمك، إحرص أن تضع أمام نفسك هدفا وهو الإقناع بالنسبة إليه والزيادة بالإقناع بالنسبة إليك. ووقف في وجه الخبث والكذب، متخذاً الصدق مرجعية في المجالات كافة، فكانت النصيحة في السياق، «إن أفضل سياسة لفضح الكذب والعمل الخبيث هو أن يكون الرجل صادقا في حياته، وأن يتحلّى بعين غير مكترثة لكنها ساهرة لهذا اللعب».
هكذا كان المعلم، يعرف ما يدور من حوله، وما يُحاك له. كان يعلم، أن خصمه حافظ الأسد الذي أراد تذويب لبنان في سِجنه الكبير، لن يقتله على الأراضي السورية، وذلك بعد اللقاء الأخير قبل عام من استشهاده، بل سيقتله بعد فترة، على الأراضي اللبنانية، كما قال وهو عائد إلى بيروت من الشام بعد رفضه عقد جولة ثانية من المباحثات مع حافظ الأسد.
لم يسمع المعلم، كلمة الرئيس المصري أنور السادات الذي نصحه، في البقاء في مصر مطلع العام 1977 بسبب المعلومات التي كانت في جعبة السادات عن مخطط لاغتيال جنبلاط.
لم يُساق كمال جنبلاط إلى مصيره، بل اختار مصيره، فكان الاغتيال في آذار 1977، وكان الورد في بيروت في آذار 2005 مع ثورة الأرز التي أسقطت النظام الأمني السوري اللبناني، وأتت بالمطر إلى دمشق، هتفت دمشق ضد السجن الكبير للمرة الأولى بعد ست سنوات، في آذار 2011، وحطمت السجن الكبير، وداست على آل الأسد بعد 14 عاماً.
انتهى الانتظار بين آذار وآذار في السادس من آذار 2025، مع إعلان الامن العام السوري، في الدولة السورية الجديدة، إلقاء القبض على إبراهيم الحويجة المُشرف على اغتيال المعلم كمال جنبلاط، والذي إلى مكتبه في سن الفيل فرّ المجرمان اللذان قتلا كمال جنبلاط وفوزي شديد وحافظ الغصيني، يوم كان عميداً في المخابرات الجوية.
انتهى الانتظار نعم، ولكن لم ينته الفكر التقدمي، ولم تنته الحاجة إلى هذا الفكر، الحاجة إلى «المطر وسط الصحراء».
إعلان
يتم عرض هذا الإعلان بواسطة إعلانات Google، ولا يتحكم موقعنا في الإعلانات التي تظهر لكل مستخدم.